المرصد

«الإعلام.. والتورتة الجنسية»

واجهت مختلف الأجهزة المصرية، ومنها مكتب النائب العام، والبرلمان، ووزارة الشباب والرياضة والأحزاب السياسية، بجهد متوازٍ واقعة «التورتة الجنسية» التي تم تقديمها، أخيراً، في حفل نادي الجزيرة الارستقراطي المصري.

اتجهت المساءلة لكل أطراف الواقعة، الشيف الذي صنع التورتة، الشخص الذي طلبها وحدد مواصفاتها، الشخص الذي جلبها، حضور الحفل الذي عرضت فيه، وحتى مسؤولي نادي الجزيرة على اختلاف مسؤولياتهم اقتراباً أو ابتعاداً من الحفل، لكن طرفاً واحداً لم ينتبه أحد لمساءلته، الإعلام الفضائي والسيبراني، وبدرجة ما الورقي، الذي خرج بالواقعة من أربعة جدران، وأوصلها إلى كل بيت وشبر في العالم، ورمى عليها «بهارات ترويجية» عن تعمد.

تعاملت «بعض» وسائل الإعلام باحترافية تجعل لا غبار قانونياً عليها ربما، صورت «التورتة» من بعيد وعملت على تضبيبها، لكن المتن والإغراق في تفاصيل التفاصيل فضح مقاصد هذه الوسائل.

وضعت بعض المواقع علامة (+18)، وهي تعرف أنها لا تضع رجل أمن مثلاً على بوابتها ليسأل القارئ أو المطالع «كم عمرك»، وكتبت أخرى العبارة التي من طرف استهلاكها أصبحت تعني عكس ما تتظاهر بقوله، عبارة «قبل الحذف»، ولجأت مواقع ثالثة إلى استكتاب مشاهير من كل نوع لتظفر بالعنوان «فلان الفلاني يكتب عن التورتة الجنسية».

لم يكن مطلوباً من المواقع السيبرانية أو الفضائيات الصمت، ولا أحد في زماننا يدعو الإعلام إلى عدم نقل حدث، لكن كان مطلوباً من هذه المواقع أن تلتزم بمنهجية كتاب الإعلام في شكل التعامل مع هذا الحدث، ولا تتحول الى جزء من شبكة توزيعه الفضائحية.

كان من الممكن حمل القصة بمسؤولية الى مستوى آخر لتصبح نقاشاً حقيقياً يتفرع لعشرات المفردات، منها هل ما حدث يعبر عن ثقافة نخبة أرستقراطية في نادي أرستقراطي ـ أم ان هذه ثقافة عولمة تتسرب تدريجياً إلى كل النسيج الاجتماعي وكل بيت وشارع؟ وهل الظاهرة مرتبطة بظواهر اجتماعية أخطر، أم انها حالة ضياع معزولة، وهل التساهل مع بعض مظاهر الثقافة الذكورية المنعكسة في ألفاظ وإيحاءات، غير مقبولة على «الفيس» والشارع انتهى الى تداعيات مقابلة؟

كانت الأسئلة الحقيقية يجب أن لا تحمل الى هواة الإثارة وأصحاب العناوين النارية، وخبراء الأكثر قراءة والأكثر مشاركة، وكل الأكثريات، وإنما تحمل الى علماء الاجتماع وعلماء النفس، ورائدات الحركة النسائية، وأن نستمع منهم الى كل الاجابات، حتى تلك التي ترى ان الأمر «نفخ» فيه بأكثر مما ينبغي.

مشكلة واقعة «التورتة الجنسية» في الإعلام الفضائي والسيبراني، جزء من مشكلة طريقة تغطية الجريمة الإعلامية التي تتعامل معها هذه الوسائل انها «حفلة مجانية» في سوق الانتشار الشرس، وكأنه لا قواعد هناك تحمي ولا التزامات قانونية.. تغطية الجريمة في وسائل كثيرة، يكون أقرب في حد ذاته لما يشبه الجريمة.

تويتر