الحصانة الطبيعية ضد «كوفيد-19».. نظريات عدة لكشف اللغز

خلال الموجة الأولى من جائحة «كوفيد-19»، تأثرت المدن عموماً بشكل أسوأ من التجمعات الصغيرة أو المناطق الريفية.

لكن في إيطاليا، نجت روما نسبياً، بينما عانت قرى لومباردي معدلات عالية جداً من المرض والوفاة، إلا أن الأمر اللافت للعلماء كان بروز قرية لومباردية واحدة تعرف بـ”فيرارا إيربوغنون”  Ferrara Erbognone لعدم تسجيل أي حالة إصابة فيها بـ«كوفيد-19» في ذروة الموجة فيها دون معرفة السبب في ذلك.

اللغز في عدم تسجيل أي حالة إصابة أو وفاة في منطقة بعينها لا يقتصر على إيطاليا، فعندما ضربت الجائحة دول العالم بشكل غير متساو، وقف العلماء لمحاولة فهم الأسباب.. لماذا كان بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بالفيروس من غيرهم؟

جماعات محمية من الفيروس

اقترح عالم الأعصاب العامل على دراسة نماذج «كوفيد-19»، كارل فريستون، من جامعة لندن كوليدج، أن معدلات الوفيات المنخفضة نسبيًا المسجلة في ألمانيا كانت بسبب عوامل حماية غير معروفة ولكن علينا معرفتها، وفقا لما جاء في “الأوبزرفر” الأسبوع الماضي، وهو ما يعد وجهة نظر جديدة.

فيما تطرقت وجهة نظر أخرى إلى نظام الإغلاق النموذجي في ألمانيا، الأمر الذي يمكن اعتباره عاملاً في انخفاض نسبة الوفيات.

ومع وجود وجهات نظر عدة تتدخل في ذلك، يقف الخبراء اليوم أمام لغز تحديد العوامل التي تعدل انتشار «كوفيد-19» كنموذج اليابان التي تجنبت موجة قاتلة أولى من الفيروس، على الرغم من أن سكانها من المسنين نسبياً والاستجابة الصحية العامة الضعيفة إلى حد ما، وهو ما يتعارض مع التقارير التي تشير إلى حدوث وفيات “«كوفيد-19» من كبار السن نتيجة المناعة الضعيفة ووجود بعض الأمراض لدى المصاب أساساً.

اقرأ أيضاً: 6 أشهر على ظهور جائحة «كوفيد-19».. ما مدى قربنا من هزيمتها؟

نموذج آخر في الدنمارك والنمسا وجمهورية التشيك التي لم تبلغ عن أي زيادة في الحالات على الرغم من تخفيفها المبكر لإجراءات الإغلاق.

إذا وبالنتيجة.. هناك العديد من الأسباب التي تجعل سكان بعض المناطق أكثر حماية من الآخرين.

وتعتقد اختصاصية الوبائيات النظرية سونيترا غوبتا من جامعة أكسفورد، أن العامل الأساسي هو الحصانة التي تم إنشاؤها قبل هذا الوباء.

وتقول إن هناك الكثير من الحماية المتقاطعة بين الأمراض الشديدة والوفاة، وعلى الرغم من أن الحماية المتقاطعة قد لا تحمي الشخص من العدوى في المقام الأول، إلا أنها يمكن أن تضمن أعراضاً خفيفة نسبياً.

ويبقى ما تحدثت عنه اختصاصية الوبائيات حدساً بسبب نقص البيانات حول الحصانة لـ«كوفيد-19»، قبل أن تصبح اختبارات الأجسام المضادة الجديدة متاحة في الأسابيع الأخيرة بصورة أكثر دقة.

الخلايا التائية ودورها في تشكيل الحصانة

أظهر بحث جديد أن مكوناً آخر من الاستجابة المناعية البشرية وهي الخلايا التائية الموجودة في الدم، تساعد في تنسيق استجابة الجسم المضاد وبالتالي تلعب دوراً أساسيا في المناعة الخلوية، حيث تظهر ذاكرة لعدوى الفيروس التاجي عند التعرض لـ«Sars-CoV-2»، وهو الفيروس الذي يسبب «كوفيد-19».

وأفاد باحثون في معهد «لا جولا» لعلم المناعة في كاليفورنيا بأن الخلايا التائية في الدم المأخوذة من الأشخاص بين عامي 2015 و 2018 تتعرف إلى فيروس «Sars-CoV-2» وتتفاعل معها، وفقاً لما جاء في صحيفة «الغارديان» البريطانية..

وأضاف أحد مقدمي الورقة البحثية، أليساندرو ستيت، أن الفرضية الأكثر منطقية هي أن هذا التفاعل هو تفاعل تبادلي مع سلالات أخرى من Sars-CoV-2 وهي الفيروسات التاجية الشائعة التي تنتشر على نطاق واسع جدا وعادة ما تظهر على المريض بأعراض خفيفة إلى حد ما.

ودعمت النتيجة اكتشافاً سابقاً من مجموعة في مستشفى شاريتيه في برلين، اكتشف تفاعل الخلايا التائية مع البروتينات في فيروس Sars-CoV-2 في 83٪ من مرضى «كوفيد-19»، وأيضاً في 34٪ من المتطوعين الأصحاء الذين جاءت نتائج اختبارهم سلبية من الفيروس نفسه.

وعن هذه النقطة يقول عالم الأوبئة في كلية لندن للصحة والطب الذي يقدم المشورة لمنظمة الصحة العالمية حول «كوفيد-19» ديفيد هيمان، إن هذه النتائج مهمة، ولكن التفاعل المتبادل لا يترجم بالضرورة إلى مناعة.

ولتحديد ما إذا كان دقيقاً، يتطلب الأمر تتبع عدد كبير من الأشخاص الذين يظهرون مثل هذه التفاعلات التبادلية لمعرفة ما إذا كانوا محميين، وإن لم يكن من الإصابة بـ«كوفيد-19»، فعلى الأقل من أشكال شديدة من المرض.

وبذلك تفيد الفرضية بأن التعرض للفيروسات التاجية الأخرى يمكن أن يمنح الحماية، وتم طرح على أنفلونزا H1N1 التي ظهرت في 2009 كمثال، حيث كان كبار السن في وضع جيد مقارنة بالفئات العمرية الأخرى في هذا الوباء، ربما لأن جهازهم المناعي قد تم تحضيره من خلال التعرض لسلالات الإنفلونزا المماثلة من عقود سابقة.

وقد يكون هذا هو السبب في أن جائحة عام 2009 كانت أقل فتكاً من أوبئة الإنفلونزا الأخرى في التاريخ، التي أسفرت عن وفاة ما يقدر بنحو 200 ألف شخص على مستوى العالم.

فإذا كان التعرض للفيروسات التاجية الأخرى يحمي من «كوفيد-19»، فإن التباين في هذا التعرض يمكن أن يفسر الاختلاف في معدلات الوفيات بين البلدان أو المناطق.

وبذلك فإن التعرض لفيروس «سارس» الذي تسبب في وباء المتلازمة التنفسية الحادة في 2002-2004 قد يوفر بعض الحماية لشرق آسيا ضد «كوفيد-19»، على سبيل المثال.

عوامل اجتماعية واقتصادية

وتتدخل عوامل أخرى في تأمين المناعة ضد الفيروس كالحالة الاجتماعية والاقتصادية والمناخ والثقافة والتركيب الوراثي، كما هي الحال مع بعض اللقاحات التي يتم تلقيها في الطفولة ومستويات فيتامين (د)، وهي عوامل يمكن أن تختلف بين البلدان، كما أن الاختلافات ين الجنسين  تلعب دوراً حيث أظهر وجود كروموسوم X، الموجود لدى النساء استجابة مناعية أقوى ضد الفيروس .

 ويقترح الخبراء أنه ربما تم منح اليابانيين بعض الحماية، على سبيل المثال، بسبب عادة الركوع بدلاً من المصافحة عند التحية.

نمط الحياة وعلاقته بمعدلات الوفاة لدى كبار السن

أظهرت الإحصاءات وجود فروق كبيرة في عدد الوفيات لدى الضعفاء أو كبار السن الذين أصيبوا بالفيروس، بحسب البلدان تبعاً لنمط الحياة.

فعلى سبيل المثال يشكل كبار السن أكثر من 20٪ من السكان في كل من ألمانيا وإيطاليا، إلا أن الدولتين أبلغتا عن معدلات وفيات مختلفة بشكل لافت، فحتى 26 مايو، كان معدل وفيات كبار السن في إيطاليا نحو 14٪ مقارنة بـ5٪ في ألمانيا.

فإيطاليا أكثر كثافة سكانية من ألمانيا، وتميل المنازل الإيطالية إلى أن تكون أصغر من المنازل الألمانية.

ولاتزال الفئات الشابة من الإيطاليين تعيش مع أسرها بالمنزل نفسه، ما يعني أن فرصة انتقال الفيروس لكبار السن مرتفعة، وهو أمر مختلف في ألمانيا حيث فرضت دور رعاية المسنين نظام عزل صارماً، من أجل حماية المسنين.

وتشير بعض التقديرات إلى أن 20٪ فقط من حالات «كوفيد-19» في ألمانيا كانت لأشخاص فوق سن الـ60، مقارنةً بأكثر من 90٪ في إيطاليا.

محصلة النماذج

لا يزال هايمان حذراً من النماذج، ويحذر من الخلط بينها وبين حقيقة الوباء، فنحن بحاجة إلى المزيد من البيانات والإحصاءات، وفي المرحلة الحالية.. لا يمكن لأي شخص أن يتنبأ بمصير هذا الفيروس.

تويتر