وباء عنف الأسلحة يضرب المجتمع العربي في إسرائيل

كان الشاب الفلسطيني، معاذ الريان (25 عاماً)، من «عرب إسرائيل» قد خطط لدراسة الهندسة في بريطانيا، ولكن لم يتسنّ له ذلك، ففي الأول من فبراير 2009 توجه بسيارته مع صديقه إلى المتجر المحلي في كفر بارا، وهي بلدة تبعد 15 ميلاً إلى الشرق من تل أبيب، وبينما كان ينتظر خارج السيارة توقفت سيارة أخرى إلى جانبه وخرج منها أشخاص ملثمون وأمطروه بوابل من الرصاص، ومن ثم ركبوا سيارتهم وغادروا. وقال لي والده كمال، أخيراً: «حتى الآن لا يعرف أحد سبب ذلك»، ومنذ مقتل معاذ لم تعثر الشرطة على أي مشتبه فيه. ويقول كمال: «المسألة لا تتعلق بابني فقط، اذ إن 80% من حالات القتل في المجتمع العربي في إسرائيل، لم يتم حلها حتى الآن».

معضلة

وإثر مقتل ابنه، أسّس كمال مركز «الأمان»، وهو «المركز العربي لمجتمع آمن» في إسرائيل، والذي يراقب الجريمة وأعمال القتل في المجتمع العربي، حيث يطالب المركز بتغيير الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع حالات العنف في المجتمع العربي. ووفق المعلومات التي جمعها مركزه، فإن ثمة عدداً كبيراً من المواطنين العرب تم قتلهم على أيدي عرب آخرين، يصل الى نحو 1400 منذ عام 2000.

وتشكل هذه المعضلة أزمة كأداء في المجتمع العربي بإسرائيل منذ زمن بعيد، كما يقول كمال. ومنذ الانتخابات الإسرائيلية في سبتمبر الماضي، أصبحت هناك حالة طوارئ. وحتى قبل الانتخابات، أشار استطلاع للرأي في المجتمع العربي في إسرائيل إلى أن القضية الأساسية، التي تقض مضجع المجتمع العربي، تتمثل في وباء العنف المسلح الذي يعصف بهذا المجتمع. وفي غضون تسع ساعات في 20 سبتمبر الماضي قتل أربعة اشخاص عرب من قبل أشخاص عرب من المجتمع نفسه، من بينهم امرأة حامل كانت تحضر عرس ابن عمها مع زوجها وابنها، الذي شهد مصرعها. وتلا ذلك العشرات من حالات إطلاق النار. وقتل هذا العام 86 شخصاً حتى الآن ما يجعل عام 2019 العام الأشد قتلاً في تاريخ المجتمع العربي في إسرائيل.

حرب أهلية

ويقول عضو الكنيست من القائمة العربية المشتركة، يوسف جبارين، إن المجتمع العربي في إسرائيل يعيش في خضم «حرب أهلية»، ويعتبر معدل جرائم القتل منخفضاً في المجتمع الإسرائيلي بصورة عامة نسبة للمعايير الدولية (أقل من ثلث المعدل في الولايات المتحدة، مثلاً)، ولكن ما يحدث في شوارع المجتمع العربي في إسرائيل هو عالم يمثل الفوضى وانعدام القانون، حيث بات المواطنون غير قادرين على مغادرة منازلهم دون أن يساورهم شعور بالخوف من احتمال عدم عودتهم أحياء الى منازلهم. وهذه أزمة تقض مضجع المجتمع العربي في إسرائيل. وقال كمال: «نحن عائلة جيدة بكل المقاييس» أحد أبنائه طبيب، وابنه الآخر محامٍ، وابنته صيدلانية. ويقول: «قبل 10 سنوات غادر ابني المنزل ورجع في كفن، ويمكن أن يحدث هذا لأي شخص في المجتمع العربي».

تباين

ويظهر هذا التباين جلياً بين الشعبين في استطلاع أجراه، أخيراً، مركز «مبادرات ابراهام» غير الربحي، الذي يعمل من أجل المساواة بين العرب والإسرائيليين. ووفق هذا الاستطلاع فإن 36% من المواطنين العرب يشعرون بأنهم غير آمنين في مجتمعاتهم، مقارنة بـ13% من اليهود. وذكر 11% من العرب المشاركين في الاستطلاع أنهم أو معارفهم تعرضوا للأذى بالأسلحة النارية أو أسلحة أخرى، وذكر 1% من المشاركين اليهود الشيء ذاته.

التباين الرئيس هنا بين الطرفين هو الحصول على السلاح. ومن المعروف أنه من الصعب جداً الحصول على رخصة حمل سلاح في إسرائيل، ولكن مع ذلك فإن الأسلحة غير المرخصة منتشرة بكثرة بين المواطنين العرب. ووفق الاستطلاع السابق فإن 91% من العرب يعتقدون أن الحصول على سلاح ناري في إسرائيل مسألة سهلة تماماً، مقارنة بـ34% من اليهود. وأشار تقرير وضعه جهاز رقابة الدولة عام 2018 إلى أن غالبية الأسلحة غير المرخصة منتشرة في المجتمعات العربية، ومعظمها إما مصنوعة من قبل الفلسطينيين في الضفة الغربية، أو مهربة من الأردن، أو تمت سرقتها من قواعد الجيش الإسرائيلي.

وأصبحت موجة القتل، التي ألمّت بالمجتمع العربي، موضوعاً مألوفاً في تقارير نشرات الأخبار المسائية في إسرائيل، وعناوين رئيسة في الصحف، على الرغم من أن إسرائيل تعيش حالة من التيه نتيجة الشلل السياسي بعد عمليتي انتخابات لم تؤديا إلى نتيجة، وثمة استعداد للثالثة. ويرجع هذا الاهتمام بموضوع أزمة الجرائم في المجتمع العربي، وللمرة الأولى، الى السياسيين العرب الذين اعتبروا هذه الأزمة في قمة أولوياتهم. وقال عضو الكنيست، زعيم القائمة المشتركة، أيمن عودة «هذه القضية في قمة أولوياتنا» وتنظم القائمة المشتركة في الوقت الراهن حملة للدعوة إلى مزيد من فرض سلطة القانون في البلدات والمدن العربية. ومنذ بداية أكتوبر الماضي، قاد أعضاء القائمة المشتركة، وقادة المجتمع المدني العربي احتجاجات أسبوعية شارك فيها عشرات الآلاف في شتى أنحاء البلاد. وأعلنوا الاضراب عن الطعام، ونصبوا خيمة احتجاج في مواجهة مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية في القدس.

وبالنسبة للعرب في إسرائيل فإن هذا المعدل المرتفع من العنف يعكس حقيقة حياتهم. وعلى الرغم من أنهم يشكلون 20% من تعداد السكان، إلا أن نسبة حوادث القتل عندهم مثلت 61% من مجموع هذا الجرائم في إسرائيل عام 2018. ووفقاً لتقرير صادر عن جهاز رقابة الدولة فإن 95% من المشتبه فيهم بإطلاق النار في الفترة ما بين 2014 و2016 كانوا من العرب، في حين أن نصف النساء اللواتي قتلن في إسرائيل عام 2018 كن عربيات (معظمهن ضحايا ما يعرف بالدفاع عن الشرف، حيث يتم القتل على أيدي أحد افراد العائلة)، وكان معدل القتل في المجتمعات العربية يعادل ضعفين ونصف المعدل في بقية سكان إسرائيل، أما حالات إطلاق النار فكانت في المجتمعات العربية أعلى بـ17.5 ضعفاً.

معالجة الأزمة

وتمثل هذه الأزمة جوهر السبب الذي يدفع المواطنين العرب إلى مطالبة قادتهم بمزيد من المشاركة السياسية، لمواجهة عقود من الإهمال التي جعلت بلداتهم ومدنهم تبدو مختلفة وكأنها تعيش في عالم آخر مقارنة بالبلدات والمدن اليهودية. وإذا أرادت القائمة المشتركة الاستفادة من انتصارها في الانتخابات الأخيرة، فان معالجتها لهذه الأزمة سيكون أكبر اختبار لها أمام ناخبيها العرب الذين يشعرون بأن قادتهم تجاهلوهم.

وفي إسرائيل حيث لا يتعرض العرب للتمييز بسبب كونهم أقلية، بل كونهم أعداء للدولة، فإنهم يطالبون بمزيد من اهتمام الشرطة بمجتمعاتهم والعمل على مصادرة الأسلحة.

وخلال 10 مقابلات أجريتها لكتابة هذا المقال، توصلت الى نتيجة مفادها أن الشعور العام لدى العرب هو أن الشرطة لا تتعامل معهم كمواطنين يجب حمايتهم وإنما كمعضلة أمنية يجب التعامل معها. وقالت عضو الكنيست العربية، عايدة توما سليمان: «الشرطة تتعامل مع مجتمعاتنا ككيان يجب السيطرة عليه وليس لحماية أفراده»، ولهذا نما لدى السكان العرب المفهوم الذي مفاده أن الحكومة الإسرائيلية سعيدة بهذا الوضع الذي يعانيه العرب. وقال كمال: «إذا سألت أي عربي عن هذا الشأن سيقول لك إن الشرطة اذا أرادت وقف مسلسل القتل فإنها قادرة على ذلك»، وقال جبارين مؤكداً على هذه النظرية «لا أستطيع أن أفهم كيف تعجز أقوى دولة أمنية في العالم عن وضع حد لعمليات القتل هذه»، وأضاف «طالما أن الضحايا عرب فان الشرطة لن تقدم أي شيء، والحفاظ على هذه الأزمة هو لمصلحة إسرائيل، لأنها تمنعنا من التركيز على قضايا أيديولوجية أخرى مثل النضال ضد الحكومة والاحتلال».

المسألة معقدة

ووفق ما يقوله المسؤولون الحكوميون والشرطة فإن المسألة أكثر تعقيداً مما يصفه العرب، اذ إن المعدل المتدني لحالات كشف الجرائم في الوسط العربي يرجع، وفق ما يقولون، إلى سوء التعاون التاريخي من قبل المجتمع العربي مع الحكومة. وقال وزير الأمن العام، جلعاد آردان: «يرجع ذلك إلى أن العرب يقاومون التعاون مع الشرطة، كما أن الشهود يرفضون الحديث معها، ويرفضون استدعاءها»، ووفق تقرير جهاز رقابة الدولة فإن 44% من جرائم القتل في المجتمع العربي لا يتم إبلاغ الشرطة عنها.

ولكن على الرغم من ذلك، يعترف المسؤولون الإسرائيليون بسهولة وبسرعة أن إسرائيل فشلت تاريخياً في حماية المواطنين العرب. وقال آردان: «منذ تأسيس إسرائيل كانت هناك فجوات في المساواة في الخدمات الشرطية التي يحصل عليها العرب»، واعترف نائب المفوض الشرطي العام، جمال حكروش، وهو أول عربي مسلم يتقلد ثاني أعلى منصب في قوى الأمن، بالقول: «مازلنا نشعر بأننا لا نقدم ما يكفي، لكننا لا نستطيع أن نتوقع أن يحدث تطور في هذا الصدد خلال عام أو اثنين لأمور تجاهلها المجتمع لسبعة عقود، ونحن فعلاً نريد مزيداً من القوى الشرطية في المدن والبلدات العربية».

وحتى عام 2015، لم يكن يوجد سوى ثلاثة مراكز شرطية في المدن والبلدات العربية منذ تأسيس إسرائيل عام 1948. وفي ظل وجود 90% من السكان العرب في المدن والبلدات العربية فإن هذا يعني أنه عملياً لا توجد في المناطق التي يعيش فيها العرب مراكز للشرطة. ويبدو أنه حتى وقت قريب كان العرب يفضلون ذلك لأنهم كانوا يعتبرون الشرطة تمثل ذراع الحكومة ضدهم وليس لحمايتهم، ولذلك عارضوا وجود الشرطة الإسرائيلية في بلداتهم. وغالبية المواطنين العرب في إسرائيل الذين يعرفون بأنهم فلسطينيون، وبالضبط 77% منهم، لا يعتقدون أن إسرائيل لها الحق بأن تكون دولة لليهود، وفق استطلاع أجراه «معهد الديمقراطية في إسرائيل» في سبتمبر 2019.

يرادينا شفارتز صحافية مستقلة

- قُتل في 2019 نحو 86 شخصاً حتى الآن، ما يجعله العام الأشد قتلاً في تاريخ المجتمع العربي في إسرائيل.

- حتى عام 2015، لم يكن يوجد سوى ثلاثة مراكز شرطية في المدن والبلدات العربية. وفي ظل وجود 90% من السكان العرب في هذه الأماكن فإن هذا يعني أنه عملياً لا توجد مراكز للشرطة.

- 91 %

من العرب يعتقدون أن

الحصول على سلاح ناري

في إسرائيل مسألة

سهلة تماماً، مقارنة

بـ34% من اليهود.

الأكثر مشاركة