التظاهرات في العراق تقض مضاجع رجال الدين الإيرانيين. أ.ب

التظاهرات العراقية تفسد خطة إيران في الهيمنة على الشرق الأوسط

هذه أوقات عصيبة يمر بها رجال الدين في إيران، فقد ظلوا يواجهون أسوأ الاحتجاجات على مستوى البلاد منذ توليهم السلطة قبل أربعة عقود، ففي الوقت الراهن تشل عقوبات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصاد الإيراني، وهي السبب الرئيس الذي يحول دون عدم احتواء الاحتجاجات بالكامل. ويتضح أن الاضطرابات المستمرة في لبنان والعراق، وخاصة الأخيرة منها، تقوض جهود طهران في فرض هيمنتها على جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وتختلف أنشطة إيران في العراق عن أنشطتها في أماكن أخرى في المنطقة، لاسيما في لبنان وسورية واليمن، ولطالما سعت إيران للسيطرة على جارتها التي خاضت ضدها حرباً دموية تم فيها استخدام الأسلحة الكيماوية، طوال معظم الثمانينات، وقدمت أميركا بعد إسقاطها عدو طهران اللدود صدام حسين، وما تبع ذلك من حرب أهلية، فرصة غير مسبوقة لإيران للتدخل في الشؤون العراقية، وخاصة عندما أصبح نوري المالكي رئيساً للوزراء في عام 2006.

قوة مهيمنة

جهود المالكي لقمع المواطنين السنة في البلاد، وإقامة هيمنة شيعية في جميع المناطق، باستثناء المناطق الكردية، مكنت طهران من ترسيخ نفسها كقوة مهيمنة في العراق، لاسيما بعد أن سحب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما القوات الأميركية من هناك في نهاية عام 2010. وأصبحت إيران نشطة بشكل خاص في ما يتعلق بشؤون وزارة الداخلية العراقية، ووسعت دورها في شؤون البلاد بمجرد أن أنشأ المالكي ميليشيات «الحشد الشعبي»، التي هيمن عليها الشيعة في عام 2014، وأصبح هذا المكون عنصراً حاسماً في إزاحة تنظيم «داعش» وهزيمته في ما بعد، حيث استفاد الحشد من التدريب الإيراني، خاصةً فيلق القدس في الحرس الثوري وقائده قاسم سليماني.

سليماني

ولعب سليماني دوراً كبيراً في السياسة العراقية. ويروي أحد المسؤولين الأميركيين الكبار في وزارة الخارجية الأميركية، أنه كلما أراد أن يدخل العراق يحتاج إلى تأشيرة بينما يدخل سليماني البلاد متى ما شاء. وعندما أصبح رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي رئيساً للوزراء في أكتوبر 2018، كان على استعداد لقبول المرشح الذي أوصى به سليماني لمنصب وزير الداخلية، وبعد مرور عام من تهديد عبدالمهدي بالاستقالة في مواجهة الاحتجاجات المتسارعة في الشوارع، دخل سليماني العراق لمنع «دمية طهران» من مغادرة منصبه.

فشل سليماني في إبقاء عبدالمهدي في منصبه، فقد ظلت الاحتجاجات مستمرة في البداية بسبب ارتفاع سعر البنزين، وفي ما بعد وجهت اهتمامها لفساد الحكومة والنفوذ الإيراني، حيث أسقطت في ما بعد رئيس الوزراء. وفي الواقع، تهدد هذه التظاهرات بتقويض كل ما أنجزته طهران وسليماني خلال العقد الماضي، وتشعر إيران بالقلق من أن رئيس الوزراء المقبل لن يكون دمية سهلة، وتشعر بالقلق من أنها بعد أن فقدت قبضتها على شؤون العراق، لن تستطيع استغلال ثروة هذا البلد.

ضغوط

وتشير التقارير الواردة من العراق إلى أن العائلات تتعرض لضغوط لتوقيع إقرارات تفيد بأن أبناءها ماتوا لأسباب أخرى، وليس بسبب إطلاق النار عليهم من قبل قوات الأمن، مثل النزاعات القبلية أو حوادث من نوع ما.

ومن غير المرجح أن تنتهي هذه التظاهرات إلى أن تتولى حكومة «ليست مخلباً إيرانياً» مقاليد السلطة في البلاد. وعندما يحدث ذلك، فإن الشخصية الرئيسة التي ستقف وراء الكواليس هي المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، حيث كانت كلمته الأخيرة هي التي أدت إلى رحيل عبدالمهدي، علاوة على ذلك رفض السيستاني الاجتماع مع الإيرانيين الذين كانوا يسعون للحيلولة دون الإطاحة برئيس الوزراء. ويبدو أن إيران تستغل الأزمة السياسية في العراق لنقل صواريخ متوسطة المدى إلى البلاد، لتصبح تحت سيطرة الميليشيات التي ترعاها، وتشكل هذه الصواريخ تهديداً إقليمياً مباشراً.

من جانبها، امتنعت الولايات المتحدة عن التدخل في الأزمة السياسية في العراق، على الرغم من أنها تحتفظ بقوات هناك، ويبدو أن ترامب لديه مشاغل أخرى في ذهنه غير العراق، في الوقت الذي يعتقد عدد قليل جداً من المسؤولين الأميركيين أن التدخل السياسي الأميركي في الشأن العراقي قد يأتي بنتائج عكسية، وهم محقون، لأن العراقيين لا يحتاجون إلى تدخل أميركي في هذا الوقت، وما يحتاجونه هو وعد أميركي بدعم سياسي واقتصادي غير محدود لحكومة مستقلة في بغداد.

• تشير التقارير الواردة من العراق إلى أن العائلات تتعرض لضغوط لتوقيع إقرارات تفيد بأن أبناءها ماتوا لأسباب أخرى، وليس بسبب إطلاق النار عليهم من قبل قوات الأمن، مثل النزاعات القبلية أو حوادث من نوعٍ ما.

دوف زاخيم - كبير المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ونائب رئيس مجلس إدارة معهد أبحاث السياسة الخارجية

الأكثر مشاركة