إرهاب المتطرفين البيض.. المشكلة التي تؤرّق الولايات المتحدة

لو أن أحد مرتكبي أعمال القتل الجماعي التي وقعت، نهاية الأسبوع الماضي، كان مسلماً، لكانت جميع موارد الحكومة الأميركية وحلفائها الدوليين قد اندفعت متحمسة إلى توجيه الانتقادات والإدانات بلا تأخير. وتعمل القوة الرهيبة للدولة، بلا كلل ولا ملل، من أجل منع الإرهابيين من الوصول إلى الأسلحة والمال، والمنصات التي تسمح لهم من نشر أيديولوجيتهم عبرها. ويمكن أن يتم اختراق هؤلاء الإرهابيين من قبل المخابرات، كما أن ممولي هذه الحركات الإرهابية يمكن أن يواجهوا عقوبات كبيرة ضدهم، وتجري مراقبة أماكن تجمعها. ومن يقدم المساعدة أو حتى الإغاثة للإرهابيين يمكن محاكمته، ويجري أيضاً إنشاء برامج إعادة تأهيل لمن كان يعمل في منظمات إرهابية سابقة.

ولن يقبل أي أميركي بـ«الأفكار والصلوات» كاستراتيجية لمحاربة الإرهاب، ولن يقبل أي أميركي بإلقاء لوم الهجمات الإرهابية على ألعاب الفيديو، كما فعل مساعد حاكم تكساس، دان باتريك، في مقابلة يوم الأحد الماضي، عندما ناقش موضوع القتل الجماعي في مدينة إل باسو بولاية تكساس، الذي نجم عنه مقتل 20 شخصاً وجرح 27 آخرين.

شجب

ويتوقع أيضاً أن يتعرض المسلمون المعتدلون للشجب والانتقاد، إذا لم يدينوا بأشد العبارات أعمال المتطرفين. ويمكن أن تتعرض دول أجنبية للعقوبات إذا لم تقدم ما يكفي من المساعدة لقضية محاربة الإرهاب الإسلامي. ويمكن أن يندفع السياسيون في غضبهم على هذا الإرهاب إلى درجة أنهم سيطالبون بمنع دخول أي مسلم إلى الولايات المتحدة.

وحتى المراقب العادي يمكن أن يفهم ما يجري الآن. فالعالم أجمع، والغرب بصورة خاصة، يعاني مشكلة إرهابية للبيض المتطرفين قومياً، تم تجاهلها أو اختلاق الأعذار لها لردح طويل من الزمن. وكان الرئيس، جورج بوش الابن، قد أعلن، عشية هجمات 11 سبتمبر، أنه يجب أن نكون دولة «متيقظة للخطر»، ودعا لحماية الحرية، وقال: «لقد تحولت مصيبتنا إلى غضب، والغضب إلى تصميم»، وهناك العديد من الأسئلة الخطيرة المطروحة، والمتعلقة بكيفية تعامل الولايات المتحدة مع التطرف الإسلامي، لكن لو كانت هناك درجة من التيقظ والوحدة في الجهود إزاء تطرف البيض، لكنا الآن أكثر أمناً بكثير.

أيديولوجية عالمية

وتكون الهجمات الإرهابية للمتطرفين البيض محلية، لكنهم يملكون أيديولوجية عالمية. والإرهابي الذي أطلق النار، يوم السبت الماضي، وكتب، وفق ما ذكرته الشرطة الفيدرالية، إنه يخشى من «غزو اللاتينيين لولاية تكساس»، كان في الواقع يمثل الأميركيين البيض، وأطلق النار للقتل الجماعي في إل باسو. وذكر هذا القاتل في بيانه أنه استمد بعض الإلهام من الهجوم الإرهابي الذي قام به قاتل نيوزيلندا في مدينة كريست شارش، الذي نجم عنه مقتل 51 شخصاً مسلماً. ولايزال المحفز، الذي أدى إلى عمل دايتون بولاية اوهايو، قيد التحقيق.

وفي أبريل الماضي، قام الإرهابي، الذي أطلق النار على معبد يهودي، في مدينة بواي بولاية كاليفورنيا، بتكرار كلمات قاتل كريست شارش ذاتها، وبدا أنه استمد الإلهام من مجزرة تمت بمعبد يهودي في بطرسبورغ الخريف الماضي. وكان قاتل كريست شارش قد استمد إلهامه من هجمات إرهابية قام بها البيض في النرويج، والولايات المتحدة، وإيطاليا والسويد، والمملكة المتحدة. وكشف تحقيق أجرته صحيفة «ذي تايمز» في وقت سابق من العام الجاري، أن «ثلث القتلة من المتطرفين البيض منذ عام 2011، استمدوا إلهامهم من آخرين قاموا بهجمات مماثلة لما فعلوا، واعترفوا بهم أو أظهروا اهتماماً بتكتيكاتهم»، ويعتبر التطرف الأبيض أيديولوجية عنف متنقلة ومترابطة. ويتجمع أنصارها بأسماء مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكارهم، والتخطيط لهجمات، والتشجيع على أعمال الإرهاب.

سفك الدماء

وتكون النتيجة نوعية من التواصل الاجتماعي التي تشجع سفك الدماء، وأصبحت مواقع مثل «4تشان» و«8تشان» مرتعاً خصباً لنشاطات المتطرفين البيض. ويتدفق مستخدمو هذه المواقع بأسماء مجهولة، وينشرون محتويات عنصرية وجنسية وإرهاب في شتى أنحاء الشبكة الدولية. ويتشارك هؤلاء المستخدمون بأعمال أدبية فاشية، ودعاية نازية ونصوص علمية زائفة عن العنصرية والذكاء ونظرية الاستبدال (التي تقول إن البيض يتم استبدالهم في مجتمعاتهم بآخرين غير بيض)، بهدف تأجيج التطرف عند أقرانهم.

عنصرية ليست جديدة

وهذه المجتمعات العنصرية ليست جديدة، فهناك «واجهة متجر» وهي موقع قديم للمتطرفين البيض ينشرون فيه أخبارهم، وكان قد أنشأه المتطرف الأبيض الأميركي، دون لاك، عام 1996. وهناك أيضا مجتمعات أخرى للمتطرفين، مثل موقع «النازيين الجدد» و«ديلي ستورمر»، عملت على نشر أفكار المتطرفين البيض لسنوات عدة. وكان بعض مستخدمي هذه المواقع الأكثر تطرفاً وجنوناً، قد عمدوا إلى نقل كراهيتهم للآخرين من مواقع التواصل إلى العالم الحقيقي، مثل ديلان روف، الذي قتل تسعة أشخاص من السود في طريقهم إلى الكنيسة بمدينة تشارلستون عام 2015، وهو يملك حساباً في موقع «واجهة المتجر» تحت اسم «ليل اريان».

وخلال الأشهر الأخيرة، تزايدت المناقشات بين أشخاص مجهولين على موقع «8تشان»، وهم يركزون بصورة متزايدة على تنفيذ أعمال إرهابية للمتطرفين البيض. وفي أعقاب مجزرة كريست شارش، انطلق المتطرفون البيض إلى هذه المواقع وهم ينشدون الموافقة على أعمال الإرهاب والعنف. ونشروا بياناً كتب بعجالة على أمل أن يستلهم منه آخرون القيام بأعمال قتل أخرى. ولا تقدم قوات الشرطة هذه الأيام إلا إجابات قليلة عن الكثير من التساؤلات المتعلقة بكيفية احتواء هذه المجتمعات. ونتيجة الطبيعة المجهولة لهذه المنصات الافتراضية يكون من الصعب مراقبتها لمعرفة مدى حقيقة تهديدها.

لكن الأعمال العنيفة التي تحدث في العالم الحقيقي، والمرتبطة بمواقع الإنترنت، قد جعلت بعض الوكالات الأمنية تركز انتباهها أكثر على مجتمعات الكراهية الموجودة في العالم الافتراضي. ويبدو أن شركات التقنية أيضاً غير مستعدة للتعامل مع الإرهاب الأبيض بالطريقة ذاتها، التي تعاملت بها مع انتشار مجموعات التطرف الإسلامي على الإنترنت، مثل تنظيم «داعش». وكانت شركات مثل «فيس بوك» و«تويتر» قد أزالت ملايين المواد التي تعمل كدعاية لتنظيمَي «داعش» و«القاعدة»، وانتشرت بين 2014 و2018. لكن لم يتم اتخاذ معايير مماثلة للتطرف الإرهابي للبيض. وعلى الرغم من أن جذور التطرف الأبيض تسبق وجود إدارة الرئيس دونالد ترامب بعقود عدة، إلا أنها حظيت بشرعية قوية خلال وجود ترامب في السلطة.

وكان النقاش المتعلق باستبدال المهاجرين بالبيض، على سبيل المثال، قد ظهر في برامج عدة بمحطة «فوكس نيوز» التلفزيونية. وفي شهر مايو الماضي، تساءل الرئيس، دونالد ترامب، وهو يتحدث عن «غزو» المهاجرين، وكيفية إيقافهم، وذلك خلال حشد لأنصاره في فلوريدا. وصرخ أحد أنصاره قائلاً «أطلقوا الرصاص عليهم» فأجاب ترامب مازحاً «هذا لا يحدث إلا في بانهاندل» وهو المكان الذي كان فيه الحشد.

ومن المعروف أن الأميركيين الذين قُتلوا على أيدي الإرهابيين المحليين، أكثر بكثير من الذين قتلوا على أيدي متطرفين إسلاميين، منذ عام 2001، وفق مكتب التحقيقات الفدرالي، ومع ذلك فإن مكتب التحقيقات لايزال يصر على العمل من أجل إحباط الإرهاب الدولي.

على الرغم من أن الدولة مدينة لضحايا 11 سبتمبر بالعمل من أجل الاقتصاص من الإرهابيين، لكنها مدينة أيضاً لضحايا مدينة إل باسو والمئات من الضحايا الآخرين الذين سقطوا على أيدي الإرهابيين البيض الأميركيين.

ويتعين على المعتدلين من أعضاء اليمين السياسي التنديد بالتطرف والإرهاب الأبيض، حتى لو أن الرئيس دانهم من طرف فمه، وفي الوقت ذاته كان يمجد إثنية البيض من الطرف الآخر. ومن واجب شركات الإعلان ألا تكون راعية للبرامج التلفزيونية التي تمجد التطرف القومي لدى البيض أو تدافع عن تفوقهم. وكذلك المصارف يجب ألا تساعد على تمويل المنظمات التطرف الأبيض، ويتعين على القادة الدينيين أن يشجبوا ويدينوا التطرف الأبيض من منابر وعظهم.

ويتعين أيضاً على شركات التقنية أن تتحمل مسؤوليتها وتزيل المنابر الإعلانية للمتطرفين البيض تماماً، كما فعلت مع مواقع «داعش». ويتعين على قوات الأمن البحث عن أصحاب التطرف بأسماء مجهولة عن طريق البحث في أمور الأشخاص الذين يدعون علانية إلى تطرف البيض.

أما الذين يتعاطفون مع التطرف الأبيض، لكنهم يرفضون العنف، فعليهم العمل بصورة وثيقة مع الشرطة لمساعدتها على معرفة الأشخاص الذين يكونون عرضة لارتكاب أعمال العنف، والأهم من كل ذلك أن رجال الأمن والشرطة الأميركيين بحاجة إلى استهداف المتطرفين البيض بالحماسة ذاتها عندما كانوا يستهدفون المتطرفين الإسلاميين. الأمر الذي يضمن أمن الوطن، وليس هناك حل وسط عندما يتعلق الأمر بدعم بالتطرف الأبيض، لكن ليس الإرهاب، فلابد أن يكون المرء إما مع الطرفين أو ضدهما.

حتى المراقب العادي يمكن أن يفهم ما يجري الآن، فالعالم أجمع، والغرب بصورة خاصة، يعاني مشكلة إرهابية للبيض المتطرفين قومياً.

الأعمال العنيفة التي تحدث في العالم الحقيقي، والمرتبطة بمواقع الإنترنت، جعلت وكالات أمنية تركز انتباهها على مجتمعات الكراهية الموجودة في العالم الافتراضي.

الأكثر مشاركة