محافظ إسطنبول الجديد.. نقطة تحول لأردوغان

فاز أكرم إمام أوغلو، من حزب الشعب الجمهوري العلماني، بانتخابات منصب محافظ مدينة إسطنبول في 23 يونيو الماضي. وكان إمام أوغلو قد فاز بهذا المنصب في 31 مارس بهامش 2%، لكن المجلس الأعلى الذي يدير الانتخابات، والذي يسيطر عليه الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) ارتأيا أنه على الرغم من أن حزب العدالة وشريكه في الحكومة الحزب القومي المتشدد والمعادي لأوروبا، وهو الحركة القومية، قد خسرا الانتخابات في العاصمة أنقرة ومدينة أزمير، إلا أنه نتيجة المخالفات المرتكبة في إسطنبول، إضافة للهامش البسيط لفوز إمام أوغلو فتجب إعادة الانتخابات في هذه المدينة. وتعتبر إسطنبول قاعدة أردوغان ومصدر دعمه وكذلك حزبه، كما أنها مركز اقتصادي ومالي مهم بالنسبة لتركيا.

وكان أردوغان قد حشد الكثير من الموارد، بما فيها موارد الدولة ذاتها لضمان الفوز في إسطنبول. لكن هذه الخطة جاءت نتائجها عكسية، إذ جاء فوز أكرم بهامش كبير، ما دفع مرشح حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق بن علي يلدريم لأن يعترف صراحة بالهزيمة.

ولضمان مستقبل مبهر لإمام أوغلو ولحزبه الشعب الجمهوري، ولإعادة ترميم الديمقراطية في تركيا، يتعين على إمام أوغلو التركيز على مهمتين رئيستين وأخريين ثانويتين.

الحكم بصورة فعالة

الأولى: إنه بحاجة إلى الحكم بصورة فعالة وصادقة. وكان الفساد وقيام حزب العدالة والتنمية بنهب موارد تركيا الكبيرة من الأسباب المهمة التي أدت إلى هزيمة العدالة والتنمية. وبالطبع فإن الحكم الفعال والصادق هما المفتاح الرئيس للانتصار في الانتخابات في أي مكان بالعالم، لكن سكان إسطنبول سيراقبون عن كثب ما سيجري بعد أن تخلصوا من الوضع الراهن، وانتخبوا مرشحاً رشح نفسه من أجل التغيير.

وثانياً: يجب على إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري بصورة عامة الاتسام بالحذر عند طرح وجهات نظرهم العلمانية بإلحاح وقوة. بل عليهم الإعراب عن احترامهم مشاعر الأعداد الكبيرة من المؤمنين الأتراك، الذين يمثلون الناخبين الأساسيين لحزب العدالة والتنمية، وبين قواعد الحزب التي حققت له الفوز للمرة الأولى في نوفمبر 2002. وكان هؤلاء الناس يعتقدون أن العلمانيين من أنصار كمال أتاتورك المتجمعين في المدن بصورة خاصة، كانوا يتعاملون معهم بفوقية وتمييز، كما أنهم احتقروا قيمهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم. ويتعين على إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري أن يظهروا التزامهم بالديمقراطية للشعب، ويبذلوا كل ما بوسعهم لإثبات قيادتهم الوطنية في أسلوب ومضمون حكمهم للمدن الست الكبيرة، التي تمكنوا من الفوز في الانتخابات المحلية بها.

ثالثاً: يتعين على إمام أوغلو، وزملائه من الذين وصلوا إلى مناصب محافظي المدن من حزب الشعب الجمهوري، أن يكونوا مستعدين وكذلك قواعدهم الشعبية لأي عقاب أو انتقام من حزب العدالة والتنمية. وإذا كان أردوغان حكيماً فإنه سيعمل معهم بدلاً من محاولة وضع العقبات أمامهم. ولكن إذا كان التاريخ مرشداً، فإن أردوغان يمكن أن يستسلم للدافع الانتقامي، حيث يحرم المحافظين الستة من أكبر قدر من الموارد المركزية، وربما يسهم في عملية فشلهم بالحكم، وهذا بالطبع سيكون خطأ منه. لذلك يتعين على إمام أوغلو والمحافظين الآخرين أن يستعدوا لرؤية ضربة توجه إلى ميزانيات محافظاتهم، والكثير من العقبات التي ستوضع أمام طريقهم، وسيواجهون انتقادات متواصلة من حزب العدالة والتنمية. وبالطبع فإن الانتقادات هي لعبة عادلة في السياسة، لكنها ستكون غير ذلك إذا كان هدف أردوغان وحزبه المباشر، هو دفع المحافظين الستة نحو الفشل.

وأفضل وقاية للبعد عن الفشل بالنسبة لمحافظي حزب الشعب الجمهوري، وهو الاعتماد على الشفافية في كل الحكم، وإبلاغ العامة بكل العقبات التي تضعها الحكومة أمامهم، وليس إطلاق سلاسل من الشكاوى الغاضبة، وإنما إطلاع العامة وبهدوء على كل قضايا المدينة، بما فيها النجاحات والقصور وأسبابها. وبالطبع فإن الجماهير ليست غبية فهي ستفهم أي عملية يقصد بها التخريب وإعاقة عمل محافظي حزب الشعب. وبالطبع، فإن هؤلاء الجماهير سيلقون باللوم على أردوغان وحزبه، حتى إن كانوا من ناخبيه.

فرصة ذهبية

رابعاً: يتمتع المحافظون الجدد بفرص ذهبية لتقوية حزب الشعب الجمهوري، ليكون منافساً قوياً في الانتخابات الوطنية، وهذا يعني أنه يتعين عليهم القيام بما هو أكثر من مجرد الحكم الرشيد للسكان المدنيين، إذ يتعين عليهم أيضاً مد أيديهم إلى السكان القرويين، والناخبين المؤمنين والأقلية الكردية التركية. ويقدم دعم حزب الشعب الديمقراطي، الذي يمثل مصالح الأكراد وأقليات أخرى، لإمام أغلو فرصة مهمة للتصالح مع الأكراد الأتراك، والقيام بخطوات كبيرة نحو دمج جميع مكونات الشعب التركي. ومن المعروف أن الناخبين القرويين لحزب العدالة والتنمية هم الجزء الأكثر تديناً ومحافظة على القيم، ضمن الشعب التركي، والذين كانوا يتعرضون لاحتقار العلمانيين في مرحلة ما قبل حكم حزب العدالة والتنمية.

ومن المبكر جداً القول بما إذا كانت انتخابات محافظي المدن تمثل نقطة انعطاف بالنسبة لأردوغان في حزب العدالة والتنمية، وعلى الحزب ذاته ضمن النظام السياسي التركي. فكيف سيتعامل مع الاقتصاد المتداعي؟ وهل يمكن أن ينقذ نفسه عن طريق صندوق النقد الدولي وبشروطه. أم أنه سيواصل سياسة الفشل؟ أو هل سيكرر الخطأ الذي ارتكبه العلمانيين عندما قاموا بحظر حزب العدالة والتنمية؟ وهل سيعزز حكمه بمزيد من الديمقراطية؟

العلاقة مع أميركا

تبدو المصلحة مع الولايات المتحدة واضحة تماماً. لكن التوتر مع أردوغان يرتفع باستمرار، ويهدد عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. ويمكن أن يتوصل الغرب إلى فرض قطيعة كاملة ضد تركيا، لقيامها بشراء صواريخ إس 400 الروسية. واستناداً إلى موقف حكيم لم تتدخل الولايات المتحدة في انتخابات المحافظين.

وبصورة مماثلة يجب أن تظل بعيدة عن المشهد، عندما ستحدث صدامات بين أردوغان والمحافظين العلمانيين الجدد. ولا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً معادياً لحزب العدالة والتنمية. وعليها أن تواصل إظهار اهتمامها في تركيا باعتبارها عضواً في حلف شمال الأطلسي، وبالسياسات التركية المطلوبة لدعم عضوية تركيا في الناتو، وفي الخلافات بين أردوغان والولايات المتحدة على قضايا الشرق الأوسط وعلى الديمقراطية المتذبذبة في تركيا.

جيرالد هايمان باحث أميركي من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية

المحافظون الجدد يتمتعون بفرص ذهبية، لتقوية حزب الشعب الجمهوري، ليكون منافساً قوياً في الانتخابات الوطنية، وهذا يعني أنه يتعين عليهم القيام بما هو أكثر من مجرد الحكم الرشيد للسكان المدنيين، إذ يتعين عليهم مد أيديهم إلى السكان القرويين أيضاً، والناخبين المؤمنين، والأقلية الكردية التركية.

الأكثر مشاركة