احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية يزيد احتمالات المواجهة

تصاعدت حدة التوتر مجدداً بين إيران وبريطانيا، بعد قيام القوات البحرية البريطانية، بالتعاون مع سلطات جبل طارق، باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية «غريس 1»، في الرابع من يوليو 2019، لاسيما بعد أن استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير البريطاني، لإبلاغه باحتجاجها الرسمي على هذا الإجراء، بالتوازي مع التهديدات التي أطلقها أكثر من مسؤول إيراني بالرد بالمثل عبر احتجاز ناقلة بريطانية في الخليج. ومن دون شك، فإن هذه الخطوة التي أقدمت عليها لندن لا تنفصل عن مجمل التطورات التي تشهدها الملفات الإقليمية، التي تحظى باهتمام خاص من جانبها خلال المرحلة الحالية، خصوصاً الملفين السوري والنووي.

مواقف متشددة

اللافت في هذا السياق، هو أن ردود الفعل التي أبدتها إيران تجاه الخطوة البريطانية الأخيرة تعيد إلقاء الضوء على التداعيات التي تفرضها الأنشطة والسياسات الإيرانية في المنطقة، التي باتت تهدد أمنها واستقرارها، خصوصاً في ما يتعلق بأمن الملاحة البحرية في الخليج، الذي تعرَّض لتحديات جدية في الفترة الأخيرة، بسبب العمليات التخريبية التي استهدفت سفن شحن وناقلات عدة. فقد سعت إيران إلى توجيه تحذيرات بأنها يمكن أن تقدم على خطوة مماثلة، في حالة ما إذا لم تفرج بريطانيا عن حاملة النفط الإيرانية.

وبدا جلياً أن النظام الإيراني حاول الإيعاز بأنه من الممكن أن يتخذ تلك الخطوة، عبر «تغريدة» منسوبة لأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، حيث إن ذلك يخدم سياسة «تقسيم الأدوار» التي يتبناها، وتقوم على تكليف بعض الشخصيات القريبة منه بالإدلاء بتصريحات أو توجيه تهديدات، وفي الوقت نفسه الإيحاء بأن ذلك لا يعبر عن السياسة الرسمية للدولة.

اعتبارات عدة

يمكن تفسير إقدام بريطانيا على اتخاذ تلك الخطوة، في إطار اعتبارات رئيسة ثلاثة، تتمثل في:

1- رسائل قوية

يبدو أن بريطانيا سعت - عبر تلك الخطوة - إلى توجيه رسائل تحذير لإيران، مفادها أن الجهود التي تبذلها الدول الأوروبية من أجل تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي، عبر مواصلة التعاملات التجارية مع إيران في إطار ما يسمى «آلية إنستكس»، لا يعني أن تلك الدول ستتغاضى عن الأنشطة التخريبية التي تقوم بها إيران في المنطقة، وتسعى من خلالها إلى الالتفاف على العقوبات الأميركية والدولية المفروضة عليها، وعلى أطراف أخرى حليفة لها.

إذ يبدو أن الدول الأوروبية باتت تدرك أن سعيها إلى الاستجابة لبعض المطالب الإيرانية، الخاصة بمواصلة العلاقات الثنائية، يمكن أن يوجه رسائل خاطئة لإيران، على نحو يدفعها إلى محاولة ممارسة أقصى قدر من الضغوط على تلك الدول، عبر مواصلة اتخاذ إجراءات لتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، لاسيما ما يتعلق بتجاوز كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب بنسبة 3.67%، التي نص عليها الاتفاق النووي، وتصل إلى 300 كيلوغرام، أو ما يرتبط برفع مستوى التخصيب ذاته إلى أكثر من 3.67%، وهي الخطوة التي اتخذتها طهران بالفعل في 7 يوليو الجاري، حسب ما جاء في تصريحات المتحدث باسم وكالة الطاقة الذرية، بهروز كمالوندي.

تهديدات

وكانت إيران، خلال الفترة الأخيرة، قد حاولت بالفعل توجيه تهديدات عدة إلى الدول الأوروبية، من أن عدم حصولها على عوائد اقتصادية من الاتفاق النووي، يمكن أن يدفعها إلى إعادة تنشيط برنامجها النووي من جديد، بشكل قد يزيد احتمالات نشوب مواجهة عسكرية في المنطقة. وتوازى ذلك مع تحذيراتها من أن انهيار الاتفاق النووي، ورفع مستوى العقوبات المفروضة عليها، وربما استخدام الخيار العسكري في النهاية، يمكن أن تعرِّض الدول الأوروبية لموجات جديدة من اللاجئين، فضلاً عن تهريب كميات كبيرة من المخدرات.

وكان قائد شرطة مكافحة تهريب المخدرات في إيران، محمد مسعود زاهديان، لوّح، في 10 يونيو الفائت، بـ«إغراق أوروبا بالمخدرات، إذا أدى تشديد العقوبات إلى منع استمرار المساعدات لإيران في مجال مكافحة تهريب المخدرات».

لذا، كانت بريطانيا حريصة - في الفترة الماضية - على تأكيد اهتمامها بضرورة اتخاذ إجراءات للتعامل مع التهديدات الموجهة لأمن الملاحة في المنطقة، وعلى الربط بين الأنشطة التي تقوم بها إيران وتلك التهديدات، حيث قال وزير الخارجية جيرمي هانت، في 16 يونيو الفائت، إن «إيران تقف وراء الهجمات، التي تعرضت لها ناقلتا النفط في خليج عمان».

2- استمرار الخلاف

ركز المسؤولون البريطانيون، في تصريحاتهم الأخيرة، على أن السبب الرئيس في احتجاز ناقلة النفط، التي يُشتبه في أنها تحمل كميات من النفط إلى سورية، يكمن في «حرمان النظام السوري من موارد النفط لقمع السوريين»، خصوصاً في ضوء العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011 على مبيعات النفط إلى سورية.

وهنا، فإن لندن تسعى إلى تأكيد أن تغير توازنات القوى داخل سورية لصالح النظام السوري، بسبب الدعم العسكري الذي قدمته إليه كلٌّ من روسيا وإيران والميليشيات الموالية لها، لا يعني أن الدول الأوروبية يمكن أن تقوم بإجراء تغيير بارز في سياستها إزاءه.

وبالطبع، فإن ذلك لا ينفصل بدوره عن التصعيد الحالي مع إيران، الخاص بالاتفاق النووي، لاسيما أن الدول الأوروبية تسعى إلى إثبات أن سعيها إلى دعم استمرار العمل بالاتفاق النووي لا يعني أنها ستواصل التغاضي عن الأدوار التي تقوم بها إيران على الساحة الإقليمية، خصوصاً في سورية واليمن، ولا عن الملفات الخلافية الأخرى، وفي مقدمتها برنامج الصواريخ الباليستية، وذلك في إطار ردها على سعى إيران إلى تبني سياسة ما يسمى «فصل المسارات»، التي تقوم على رفض إجراء مفاوضات حول الملفات الأخرى، كالدور الإقليمي والبرنامج الصاروخي، مع التركيز على الاتفاق النووي والعلاقات الثنائية.

3- ملفات مفتوحة

رغم أن بريطانيا كانت من الدول الأوروبية الرئيسة، التي سعت إلى منع تصعيد حدة التوتر مع طهران خلال مراحل ماضية، فإن ذلك لا ينفي أن ثمة قضايا خلافية عدة مازالت تفرض تأثيرات قوية على السياسة البريطانية تجاه العلاقات مع إيران بشكل عام، وعلى رأسها ملف الرعايا الأجانب المعتقلين لدى طهران، وفي مقدمتهم البريطانية من أصل إيراني نازانين زغاري راتكليف، التي اعتقلت في أبريل 2016، وحكم عليها بالسجن خمسة أعوام بتهمة المشاركة في محاولة لقلب نظام الحكم والتجسس والتظاهر.

وحاول المسؤولون البريطانيون مراراً تسوية تلك القضية مع السلطات الإيرانية، بل إن وزير الخارجية السابق، بوريس جونسون، قام بزيارة إيران لهذا الهدف تحديداً في ديسمبر 2017، إلا أن كل الجهود التي بذلت في هذا السياق فشلت في تحقيق أية نتائج إيجابية، بل إن تصريحات نسبت لجونسون في ذلك الوقت، قال فيها إن «راتكليف كانت تقوم بتدريب صحافيين»، كادت أن تُعرِّض الأخيرة لمشكلات جديدة مع السلطات الإيرانية، على نحو دفع وزير الخارجية، جيرمي هانت، في 8 مارس 2019، إلى منح راتكليف الحماية الدبلوماسية، لتتحول القضية إلى نزاع دولي بين طهران ولندن.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن التصعيد سيكون العنوان الرئيس للعلاقات بين إيران والدول الأوروبية، بعد أن حاولت إيران بدورها تحييد التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية عن تلك العلاقات خلال الفترة الماضية، وذلك بسبب تراكم الملفات الخلافية العالقة بين الطرفين، سواء حول الاتفاق النووي أو الدور الإقليمي أو البرنامج الصاروخي أو مزدوجي الجنسية، أو غيرها.

• تزايد تحذيرات إيران من أن انهيار الاتفاق النووي، ورفع مستوى العقوبات المفروضة عليها، وربما استخدام الخيار العسكري في النهاية، يمكن أن تعرِّض الدول الأوروبية لموجات جديدة من اللاجئين، فضلاً عن تهريب كميات كبيرة من المخدرات.

• التصعيد سيكون العنوان الرئيس للعلاقات بين إيران والدول الأوروبية، بعد أن حاولت إيران بدورها تحييد التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية عن تلك العلاقات، خلال الفترة الماضية، وذلك بسبب تراكم الملفات الخلافية العالقة بين الطرفين، سواء حول الاتفاق النووي أو الدور الإقليمي أو البرنامج الصاروخي أو مزدوجي الجنسية، أو غيرها.

الأكثر مشاركة