معركة خلافة خامنئي تبدأ بيـن القيادات الدينية في إيران

بينما تحيي إيران الذكرى السنوية الـ40 للثورة الإسلامية، تظهر على السطح قضية خلافة القائد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، الذي أصبح ضعيفاً وطاعناً في السن. وبغض النظر عمن يكون رجل الدين الذي سيخلفه، فمن المرجح أن من سيحكم إيران شخصية دينية أضعف بكثير من خامنئي، لكنه سيكون مديناً بالفضل أكثر لقوات الحرس الجمهوري.

وكان محمد هاشمي شهرودي، الذي توفي في ديسمبر الماضي، هو المنافس الأوفر حظاً ليحل مكان خامنئي. إذ كان شهرودي من أشد الموالين لخامنئي، ووصل إلى أعلى المراتب في النخبة السياسية التابعة لبطانة القائد الأكبر، وكان يعتبر الأوفر حظاً في خلافته. وكان شهرودي يعمل سابقاً في القضاء، كما أنه، مثل عرابه وحاميه خامنئي، كان مدافعاً شرساً عن الثورة الإسلامية، ومبدأ تأسيسها ألا وهو ولاية الفقيه.

وكان شهرودي يتقن اللغة العربية على نحو جيد، كما أنه مطلع على الأيديولوجية العربية الإسلامية، وغالباً ما كان يقوم بقراءة أفكار العلماء المسلمين. وكان خامنئي ينظر إلى شهرودي، باعتباره خليفة آية الله علي السيستاني في العراق، مع أن المؤسسة الدينية العراقية ترفض - وبشدة - فكرة أن يخلف السيستاني رجل دين يؤمن بشدة بولاية الفقيه، ولو تسلم شهرودي أياً من المنصبين، فإن خامنئي سيبقى مطمئناً أن الثورة الإسلامية ستستمر.

لكن مع وفاة شهرودي، يبدو أنه ليست هناك شخصية يمكن أن تخلف خامنئي بسهولة، وتكون ملائمة لمبادئه، لكن هناك بضعة احتمالات. أحدها صادق لاريجاني، وهو رئيس الجهاز القضائي، وهو مولود في العراق أيضاً. وثمة احتمال آخر هو إبراهيم رايسي، وهو مرشح سابق للرئاسة في إيران، وهو حارس أقدس ضريح في إيران، وهو ضريح الإمام الرضا. رايسي هو طالب وموالٍ لخامنئي، في حين أن لاريجاني - وإن كان متشدداً - إلا أنه أكثر استقلالاً.

ويمكن أن ينتقي خامنئي خليفة مناسباً له، يعمل على استمرارية الدفاع عن أيديولوجية الثورة الإيرانية، التي تتلخص في معاداتها للغرب، خصوصاً الولايات المتحدة. والتمسك بمفهوم الحكم الديني. وكلٌّ من لاريجاني ورايسي في الخمسينات من العمر، وهو أمر مهم بالنسبة لخامنئي، لأن القائد الأعلى للثورة الإسلامية، يجب أن يكون صغيراً بما يكفي، كي يواجه المعارضة الحالية لحكم رجال الدين، والتي ينادي بها العديد من شبان إيران. ومعظم سكان إيران تحت سن الـ29.

خليفة فطن وذكي

وأي خليفة لخامنئي يجب أن يكون فطناً وذكياً، بشأن احتواء الاضطرابات في داخل إيران، وفي الوقت ذاته حماية الدولة من التهديدات الخارجية. ويعتقد البعض، بمن فيهم الحرس الثوري، أن إيران تواجه خطراً، وهي دوماً مستهدفة من قبل أعدائها. ولطالما تحدثت وسائل الإعلام عن إمكانية قيام الحرس الثوري بحكم إيران، بعد وفاة خامنئي. لكن هذا السيناريو غير معقول إلى حد كبير، لأنه ينتهك الدستور الإيراني، وليس في مصلحة قوات الحرس الثوري أن تحكم الدولة، وإنما بقاء قائد أعلى للدولة يدعم أيديولوجية الحرس ومبادراته العسكرية، ويحمي الاستثمارات الكبيرة لقيادتها وممتلكاتهم الاقتصادية. وتشير تقديرات حكومة الولايات المتحدة إلى أن الحرس الثوري يسيطر على 20% من اقتصاد إيران.

سيناريوهات

وتفتح مناقشات خلافة خامنئي الباب لسيناريوهات أخرى محتملة، حول كيفية حكم الجمهورية الإسلامية. وخامنئي، البالغ من العمر 79 عاماً، يقترب من نهاية حياته. وكان خامنئي، خلال سنوات حكمه، يضمن عدم قدرة أي فريق ضمن الدولة، سواء كان يقوده المتشددون أو المعتدلون، يمكنه أن يمتلك ما يكفي من السلطة، ليشكل تحدياً له. وكانت استراتيجية حكمه تستند إلى تأليب الفرق السياسية المختلفة، ضد بعضها بعضاً، لإبقائها ضعيفة.

ونظراً إلى انه أمضى نحو 30 عاماً، لتحويل منصب القائد الأعلى للثورة الإيرانية إلى إحدى سلطاته المطلقة على شؤون الدولة، إذ إن سلطاته أعلى من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية والقادة العسكريين، فإن عملية خلافته يمكن أن تخلق أزمة سياسية. وبغض النظر عمن سيخلف خامنئي، ليس هناك رجل دين يمتلك كل هذه السلطات الكبيرة على قضايا الدولة.

ومن ضمن السيناريوهات الأقل احتمالاً لخلافة خامنئي، السيناريو الذي طرحه رجال الدين الأكثر اعتدالاً، في مدارس قم الإيرانية. إذ يرى هؤلاء - منذ زمن - أن خامنئي يجب أن يكون آخر قائد أعلى للثورة الإسلامية. وهم يرشحون للمنصب رجل الدين محسن كاديفار، الذي هرب من إيران في تسعينات القرن الماضي، ويعمل الآن مدرساً في جامعة ديوك البريطانية، وهو باحث في موضوع حكم القائد الأعلى، وكان قد قال إنه - منذ وفاة آية الله روح الله الخميني - يوجد «اعتقاد سري» بين معظم مدرسي وعلماء الدين في إيران، مفاده أن حكم القائد الأعلى يقود إلى الاستبداد فقط، وينبغي التخلص منه. ويعتقد هؤلاء المعلمون والعلماء أنه ينبغي اختيار القادة السياسيين في إيران، من خلال انتخابات شعبية عامة، وليس عن طريق التعيين. وبناء عليه: ما الخيارات المتاحة إذاً؟

مجلس قيادة

أحد هذه الاحتمالات هو تأسيس مجلس قيادة، ربما يتشكل من رجال الدين والعلمانيين، يمكنهم أن يحكموا الدولة. لكن هذا يطرح تساؤلاً حول إمكانية قيام هذا المجلس بإبقاء الحرس الثوري الإيراني تحت الرقابة. وكانت هذه الفكرة قد طرحها الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني، بيد أنها لم تلق كثيراً من الاهتمام من قبل المتشددين ضمن أعلى المراتب السياسية.

وسمحت الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، لحراس الثورة الإيرانية، بتحقيق نجاحات مهمة في المنطقة، إذ إنهم تمكنوا من توسيع دائرة نفوذهم في لبنان، وقاموا بخلق اضطرابات في البحرين، عن طريق إدارة معسكرات لتدريب مجموعات المعارضة الشيعية، وشكلوا رأس الحربة في القتال في سورية خلال الحرب الأهلية، لضمان بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم. أما في الداخل، فأصبح حراس الثورة هم الضامنون للحفاظ على النظام، وردوا بقوة على كل تحرك يشكل أي تهديد ضد النظام.

وعلى سبيل المثال في عام 1999، وعندما كنت في إيران كمراسل، أراد حراس الثورة الإيرانية إطاحة الرئيس الإيراني في حينها محمد خاتمي، لأنهم اعتقدوا أنه لم يتعامل بشكل جدي مع تظاهرات الطلبة، الذين خرجوا إلى الشوارع في طهران، مطالبين بحرية التعبير. وفي ذلك الوقت، تم تداول تسجيل يقال إنه يتعلق بمؤامرة قام بها حراس الثورة لإطاحة خاتمي. ولم يتم تنفيذ المؤامرة، لأسباب مجهولة. ومن غير الواضح ما إذا كان خاتمي موافقاً على تلك المؤامرة، لكن ربما كان خائفاً جداً من احتمال استمرار التظاهرات، بحيث إنها تقود حركة وطنية للعصيان المدني، يمكن في نهاية المطاف أن تهدد منصبه.

معسكر الاعتدال

يريد المعسكر السياسي، الأكثر اعتدالاً، أن يكون له رأي في ما يحدث في أعقاب خامنئي. وعلى الرغم من أن الرئيس حسن روحاني يعتبر شخصاً ثورياً، فيعتبره البعض أكثر اعتدالاً من المتشددين، لذلك فإن علاقته مع حراس الثورة تنطوي على خصام دائم، كما أن اختياره لمرشحين لمنصب خامنئي، سيكونون أضعف من مواجهة المرشحين المدعومين من حراس الثورة. وبناء عليه من غير المرجح أن أي مرشح - لا يحظى بدعم حراس الثورة - يمكن أن يتم تعيينه مكان خامنئي.

وربما ستكون وفاة خامنئي العامل الأكثر حسماً في مستقبل إيران، منذ وفاة الخميني عام 1989. وسيتأثر بوفاته رجال الدين بالنجف في العراق، حيث يقدم خامنئي الدعم المالي لبعض رجال الدين، الذين يؤمنون بولاية الفقيه. لكن بغض النظر عمن سيخلف خامنئي، من المرجح أن النظام السياسي والديني الإيراني، لن يتغير في المستقبل المنظور.

جنيف عبده: باحثة في المؤسسة العربية، ومؤلفة كتاب الطائفية الجديدة

- كان خامنئي، خلال

سنوات حكمه، يضمن

عدم قدرة أي فريق

ضمن الدولة، سواء

كان يقوده

المتشددون، أو

المعتدلون، يمكنه أن

يمتلك ما يكفي من

السلطة ليشكل تحدياً

له. وكانت استراتيجية

حكمه تستند إلى

تأليب الفرق السياسية

المختلفة ضد بعضها

بعضاً.

الأكثر مشاركة