تلفريك القدس.. إسرائيل تُحْكِم قبضتها على الأحياء المقدسية من الجوّ

تسابق إسرائيل الزمن، لتنفيذ مشروعاتها التهويدية في كل الأحياء والمناطق بمدينة القدس، فبعد أن تمددت تلك المخططات فوق الأرض، بهدم للمنازل، والاستيلاء على الممتلكات والمقدسات، وبناء المستوطنات، ووصلت إلى عمق الأرض، من خلال حفر الأنفاق أسفل المسجد الأقصى، وما حوله، أراد الاحتلال، أخيراً، أن يحكم قبضته على المدينة من الهواء.

السيطرة على القدس من الجو، ستكون من خلال مشروع قطار هوائي (تلفريك)، أقرته إسرائيل ضمن مخططها لتغيير ملامح القدس وهويتها، لربط شرق القدس بغربها، حيث ينطلق مسار القطار من جبل الطور أو كما يعرف بجبل الزيتون، ماراً عبر مناطق عدة، منتهياً إلى ساحة البراق.

وقد كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، يوم 29 من شهر يناير الماضي، أن مشروع تلفريك القدس دخل حيز التنفيذ، حيث وافقت اللجنة الوطنية لتطوير البنية التحتية في القدس، على خطة بناء القطار الهوائي في المدينة المقدسة، والذي سيتم من خلاله الوصول إلى حائط البراق في الجدار الغربي للأقصى.

وكان وزير السياحة الإسرائيلي، ياريف ليفين، قد وصف مشروع تلفريك القدس، قائلاً: «إنه خطوة كبيرة، سيغير وجه القدس، ويتيح الوصول السهل والمريح للسياح والزوار إلى حائط المبكى».

مخاطر

وللحديث عن تفاصيل مشروع القطار الهوائي، يقول مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في بيت الشرق بالقدس، خليل تفكجي، إن «مشروع القطار الهوائي يمر بخمس محطات رئيسة، هي: المحطة المركزية العثمانية لسكة قطار القدس - يافا، في حي الثوري جنوب القدس، التي حولها الاحتلال لما يسمى مسرح الخان، وفي البؤرة الاستيطانية المسماة (كيدم) في سلوان، وفي أرض الحسيني بالقرب من باب الأسباط التي صادرها الاحتلال، وكذلك محطة بالقرب من حائط البراق، ومحطة في جبل الزيتون شرق البلدة القديمة».

ويكشف تفكجي عن امتلاك جمعية إلعاد الاستيطانية، التي تشرف على مشروعات التوسع الاستيطاني، جزءاً من المحطات الخمس الرئيسة لمشروع القطار الهوائي، لافتاً إلى أن ذلك يدلل على نية إسرائيل استخدام التلفريك في تهويد القدس.

ويشير إلى أن مشروع القطار الهوائي يأتي ضمن مخطط دمج القدس الغربية والشرقية، الذي أعلن عنه رئيس بلدية إسرائيل في القدس قبل ما يقارب ثلاثة أعوام، والذي من المفترض أن ينتهي عام 2020، مضيفاً «تعتزم إسرائيل توسيع محطات القطار الخفيف، وربط القدس بمستوطنات (غوش عتصيون) جنوب القدس، وكذلك ربط القدس بالساحل عن طريق فتح سكك حديدية جديدة للقطار، وكل ذلك بذريعة زيادة الحركة السياحية في المدينة».

ويوضح مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في بيت الشرق أن خطورة التلفريك تكمن في تغيير الوضع القائم في مدينة القدس، وهو ما تحظره «اليونيسكو»، لافتاً إلى أن شرقي القدس - وفق مواثيق الأمم المتحدة - منطقة محتلة، ولا يجوز تغيير ملامح المدينة المحتلة فيها.

السيطرة على الحوض المقدس

من جهته، يقول المتحدث باسم لجنة الدفاع عن أهالي سلوان بالقدس، فخري أبودياب، لـ«الإمارات اليوم»، إن «ما يتم الإعلان عنه والمصادقة عليه، هو عملية تعميق لسيطرة إسرائيل على القدس الشرقية، خصوصاً مناطق ما يسمى الحوض المقدس، أو الحوض التاريخي، في مدينة سلوان جنوب المسجد الأقصى». ويضيف: «في الوقت نفسه هو دعم للمؤسسات اليهودية القائمة، وهي الأذرع التنفيذية التي تدعمها الحكومة الإسرائيلية بشكل غير مباشر، وحتى تظهر أن القدس غير قابلة للتقسيم».

ويشير المتحدث باسم لجنة الدفاع عن أهالي سلوان إلى أن مشروع القطار الهوائي سيحيط بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة، وسيحجب الرؤية عن أهم المعالم التي تدل على الهوية العربية الإسلامية في القدس المحتلة.

ومن أجل بناء مشروع القطار الهوائي، شاملاً محطاته الخمس الرئيسة، ستنشئ إسرائيل 25 عموداً من الإسمنت المسلح، بارتفاع 26 متراً، لحمل تلك المحطات.

ويوضح المتحدث باسم لجنة الدفاع عن أهالي سلوان أن إقامة القطار الهوائي والأعمدة الخاصة به، ستؤدي إلى مصادرة آلاف الدونمات من أراضي المواطنين التي سيمر فوقها التلفريك، بالإضافة إلى تلك التي ستضم لصالح إنشاء الأعمدة الإسمنتية.

مشروع للسيطرة

ووفقاً للخطة الإسرائيلية الخاصة بالقطار الهوائي، ستكون كل عربة قادرة على نقل ما يصل إلى 10 ركاب، وفي أوقات الذروة 73 عربة ستكون على الخط. ويبلغ طول الخط 1.4 كيلومتر، وسيكون النظام تلقائياً، حيث سينطلق القطار خلال مدة 15 إلى 20 ثانية، حتى لو لم يكن هناك ركاب. وستكون سرعة القيادة 21 كم/‏‏‏‏ ساعة، وستستغرق الرحلة 4.5 دقائق، فيما تشير أبرز المعطيات تلك إلى أن التلفريك يمكن أن ينقل في ساعات الذروة نحو 3000 راكب في الساعة.

الخبير بشؤون الاستيطان والمختص بالبناء المعماري في القدس، جمال عمرو، الذي شارك في تصميم تلفريك أريحا، وكذلك في مشروعات خارج فلسطين، يؤكد أن القطار الهوائي الإسرائيلي في القدس هو مشروع تقوم به الحكومة الإسرائيلية لإحكام السيطرة على المنطقة التي سيمر منها من السماء.

ويقول عمرو: «إن القطار الهوائي هو مشروع مرعب، فبلدية إسرائيل في القدس تسوقه على أنه سياحي، ولا علاقة له بأي أهداف إضافية، إلا أن أهداف البلدية التي هي الذراع لحكومة الاحتلال في تهويد مدينة القدس، تنجز مخططاتها على أساس السيطرة تحت الأرض، وفوق الأرض، وعلى سماء الأرض»

ويشير إلى أن المجموعات السياحية التي ستستخدم هذا التلفريك، سيرافقها أدلاء سياحة إسرائيليون، يعملون وفق منهج تهويد الأماكن المقدسة، من خلال التسميات التلمودية المحرفة، حيث يطلقون على المسجد الأقصى في جبل الهيكل اسم «هار هابيت»، أما قبة الصخرة فيسمونها «قدس الأقداس».

ويحذر الخبير بشؤون الاستيطان من خطورة مشروع التلفريك، من الناحية الأمنية على المسجد الأقصى، مضيفاً «من سيعتلي هذا التلفريك سيكونون من غلاة المستوطنين، وهنا تكمن الخطورة، فأي شيء من هؤلاء غير مستبعد، لاسيما أنهم يقتحمون باحات المسجد الأقصى بشكل منتظم.. أسبوعياً وشهرياً».

مشروع القطار الهوائي سيحيط بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة، وسيحجب الرؤية عن المعالم الإسلامية في القدس المحتلة.

الأكثر مشاركة