الأميركيون راضون عن تعرضهم للقتل الجماعي طالما الفاعل غير مسلم

حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت إطلاق سيد فاروق، وهو أحد اثنين اتهما بالقتل عن طريق إطلاق النار، كان لوبي صناعة السلاح يعتبر هذا الرجل بأنه «شخص طيب ويحمل سلاحاً»، ويقال إن فاروق وزوجته تاشفين ماليك قتلا نحو 14 شخصاً في حفل أقيم بمكتبه في سان برناندينو، بولاية كاليفورنيا، يوم الاثنين، في حادث إطلاق النار رقم 355 في اليوم 336 من عام 2015.

- ليس هناك دولة متطورة تعاني مشكلة عنف الأسلحة أو تتعرض لهذا العدد الكبير من حالات إطلاق النار العنيف والعشوائي كما يحدث في الولايات المتحدة، التي يوجد فيها أعلى معدل لامتلاك الأسلحة الخاصة في العالم.

- الحديث عن أصحاب المشكلات الذهنية يحجب المشكلة الحقيقية التي مفادها أن حياة الأميركيين تغص بالأسلحة النارية، وهم يرفضون اتخاذ أي خطوات تهدف إلى إبعاد هذه الأسلحة عن الأشخاص غير الملائمين.

- نحو أربعة ملايين يحملون معهم أسلحتهم أينما ذهبوا، وعلى الملأ، ويقولون إن «لديهم نوبات غضب عنيفة» وإنهم يغضبون بشدة لدرجة أنهم يعمدون إلى تحطيم الأشياء المحيطة بهم، وإنهم يفقدون صوابهم وينخرطون بسهولة في القتال بالأيدي عند غضبهم.

ولكن الزوجين لم يكن لهما اتصالات بالقانون والمحاكم، حسبما ذكر رئيس شرطة برناندينو جارود برغوان. ووصف جيران فاروق وزملاؤه في العمل الرجل بأنه كان هادئاً ومهذباً، وكان لديه عمل مستقر، ويصنف من الطبقة الوسطى، حيث عمل مفتشاً على الغذاء لمدة خمس سنوات. وقال باتريك باكاري الذي يشارك فاروق في غرفة صغيرة لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، إن فاروق المولود في إيلينوي وعائلته، بدا عليهم كأنهم «يعيشون الحلم الأميركي».

ويبقى العمل الذي قام به فاروق عملاً من «الإرهاب الإسلامي». وقال مراسلو تلفزيون «سي بي إس»، إن الزوجين جمعا نحو 12 قنبلة مصنوعة يدوياً من الأنابيب، وآلاف الطلقات في منزلهما الواقع في إحدى الضواحي، ولكن حقيقة قيام فاروق بإطلاق النار على زملائه لم تكن متوقعة من قبل مسؤولي مكافحة الإرهاب، كما أن عدم إعلان أي مجموعة مسؤوليتها عن الهجوم يخالف العادة التي تحدث فيها مثل هذه الحوادث، وربما يكون هناك العديد من المحفزات التي دفعتهما إلى ارتكاب مثل هذا العمل، وبغض النظر عن المحفز الذي أدى إلى قيام فاروق وزوجته بإطلاق النار العشوائي، فإن الحقيقة تتمثل في أن المسلمين ارتكبوا جزءاً صغيراً جداً من أعمال إطلاق النار العشوائي التي تقع في الولايات المتحدة. ولا ندري حتى الآن ما هو سبب حمام الدم الذي وقع أخيراً في لاس فيغاس، لكننا نعلم الكثير عن عنف السلاح في الولايات المتحدة.

ونحن نعلم أن نظام رعاية الصحة النفسية لدينا فاشل، ولكن نعلم أيضاً أن ادعاءات لوبي صناعة السلاح التي مفادها أن إصلاحه يمكن أن يخلصنا من آفة عنف السلاح ما هي إلا ذر للرماد في العيون، للتعتيم على المشكلة الحقيقية. وتظهر دراسات علم الأوبئة أن الغالبية العظمى من المختلين ذهنياً غير عنيفين، وإنما ينزعون إلى قتل أنفسهم إلى حد كبير. وقال المحلل النفسي جيفري سوانسون من جامعة ديوك، إن الأشخاص المصابين بمشكلات ذهنية مسؤولون عن 4% من أعمال عنف السلاح في أميركا.

وخلاصة القول أن الحديث عن أصحاب المشكلات الذهنية يحجب المشكلة الحقيقية التي مفادها أن حياتنا تغص بالأسلحة النارية، ونرفض اتخاذ أي خطوات تهدف إلى إبعاد هذه الأسلحة عن الأشخاص غير الملائمين.

دراسة

وربما يأتي الأمر الأكثر إثارة للرعب الذي نعرفه عن عنف الأسلحة من دراسة قام بها الباحثون في ثلاث جامعات هي ديوك، وهارفرد، وكولومبيا، التي نشرت في بداية العام الجاري في مجلة «العلوم السلوكية والقانون»، وكشفت هذه الدراسة أن 10% من الأميركيين الذي يحصلون على سلاح معرضون للوقوع في نوبة من الغضب، ومن بين هؤلاء يوجد نحو أربعة ملايين يحملون معهم أسلحتهم أينما ذهبوا، وعلى الملأ، ويقولون إن «لديهم نوبات غضب عنيفة» وإنهم يغضبون بشدة لدرجة أنهم يعمدون إلى تحطيم الأشياء المحيطة بهم، «وإنهم يفقدون صوابهم»، وينخرطون بسهولة في القتال بالأيدي عند غضبهم، «واكتشف الباحثون أيضاً أن الأشخاص الذين يمتلكون أكثر من سلاح ناري يظهرون علامات الغضب الذي لا يمكن السيطرة عليه أكثر بكثير من غيرهم الذين يمتلكون سلاحاً واحداً. وأشار المشاركون في كتابة البحث إلى أن قلة قليلة جداً من هؤلاء تم تشخيص وجود خلل ذهني لديهم، والذي يمكن اكتشافه في الفحص المعياري العادي. وهم يقولون إننا بحاجة إلى البدء بفرض قيود على امتلاك الأسلحة استناداً إلى أساس ما إذا كان الشخص المقصود لديه تاريخ في العنف، وليس على أساس أنه تم تشخيص خلل ذهني لديه.

ونحن نعرف أن سيد فاروق له اهتمام كبير بالأسلحة منذ أمد بعيد، وذكرت محطة «سي إن إن» الإخبارية، أنه اشترى نحو سلاحين على الأقل بصورة شرعية قبل ثلاث أو أربع سنوات. وكتب على الإنترنت أنه «يستمتع بالسفر والبقاء في ساحة بيته الخلفية، وهو يتدرب على إصابة الهدف مع شقيقته الصغرى والأصدقاء».

جوهر المشكلة

وتعد سهولة الحصول على السلاح هي جوهر المشكلة، وليس هناك دولة متطورة تعاني مشكلة عنف الأسلحة أو تتعرض لهذا العدد الكبير من حالات إطلاق النار العنيف والعشوائي كما يحدث في الولايات المتحدة، التي يوجد فيها أعلى معدل لامتلاك الأسلحة الخاصة في العالم. ونحن نعرف أنه من ضمن 185 حالة إطلاق نار عشوائي على المدنيين خلال فترة الـ13 عاماً الماضية، قام بدراستها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، تم التصدي لحادث واحد فقط من قبل شخص مدني ويحمل سلاحاً فردياً.

ونحن نعرف أيضاً أن الحصول على السلاح الناري يضاعف فرصة أن يصبح المرء ضحية القتل الجماعي، كما أنه يضاعف ثلاث مرات احتمال قتل نفسه أو نفسها، ونحن نعرف أيضاً أن الولايات التي يوجد فيها أعلى معدلات امتلاك السلاح الفردي تتعرض لأعلى معدلات القتل بالأسلحة الفردية، وينطبق الأمر ذاته على الدول، أي أنه كلما زادت معدلات امتلاك السلاح زادت معدلات القتل بالسلاح الفردي. وتضاعفت حوادث إطلاق النار العشوائي على المدنيين ثلاث مرات خلال السنوات الأربع الماضية، وهي الفترة التي تزامنت مع تخفيف 37 ولاية قيودها على امتلاك وحمل الأسلحة الفردية.

وحتى ساعة كتابة هذا المقال لايزال حافز مذبحة برناندينو غامضاً، ولكن على الرغم من أن إطلاق النار العشوائي على المدنيين يمثل جزءاً يسيراً من أعمال العنف بالسلاح الفردي في أميركا، فإنه يظل أمراً شائعاً ومألوفاً. ويبدو أن الكثير من الأميركيين مستعدون لقبول كميات مهولة من سفك الدماء، طالما أنه لم يتم ارتكابها على أيدي المسلمين.

جوشوا هولاند كاتب في «ذي نيشن» ومذيع راديو

الأكثر مشاركة