الاقتصاد القطري أصيب بانتكــاسة كبيرة في أيام معدودة

سقطت قطر في دوامة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، بعد قطع السعودية ومصر والإمارات والبحرين العلاقات الدبلوماسية معها، وبعد أن أصبحت العلاقات الآن متوترة جداً بينها وبين الدول العربية القوية، وتجاوز الأمر تعليق العلاقات الدبلوماسية ليطال إجراءات اقتصادية صارمة ضد الدوحة، شملت خطوط النقل الرئيسة التي قطعت بالفعل، بدأ الاقتصاد القطري يشعر بالضغط.

وكون قطر دولة غنية، لا يعني أن القطيعة مع جيرانها ستكون أمراً سهلاً، إذ قد تؤدي لانهيار اقتصاد البلاد بالكامل. وعلى الرغم من ذلك، فإن قطر تسهم إسهاماً كبيراً في تزويد العالم بالغاز الطبيعي المسال، علماً بأن أكبر مشتري الغاز الطبيعي المسال ليست الدول العربية.

مشكلات اقتصادية

تسببت مقاطعة عدد من الدول الخليجية والعربية للدوحة في مشكلات اقتصادية كبيرة، فقد اضطرت الدوحة لإغلاق مصنعين ينتجان مادة الهيليوم، اللذين تشغلهما «راس غاز» التابعة لـ«قطر للبترول» المملوكة للدولة، والسبب هو إغلاق السعودية حدودها مع قطر، وهو ما يمنع الصادرات عن طريق البر.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمصنعين، نحو ملياري قدم مكعبة قياسية سنوياً من الهيليوم السائل، ويمكنهما تلبية نحو 25% من إجمالي الطلب العالمي على الهيليوم، وفقاً لمصادر شركة «راس غاز». ويستخدم الهيليوم في تبريد الوحدات المغناطيسية الفائقة التوصيل في أجهزة التصوير بأشعة الرنين المغناطيسي، ورفع المناطيد، والتنفس عند الغوص في المياه العميقة، والحفاظ على تبريد معدات الأقمار الاصطناعية. ويشتق الهيليوم من الغاز الطبيعي أثناء المعالجة.

ومع ذلك، هناك دليل ملموس على أن هذا البلد الصغير يتأثر بشدة بقطع العلاقات، على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

إن الانفصال المفاجئ لقطر عن دول عربية قوية، لم يكن مجرد صدمة كبيرة للعلاقات الخارجية، بل كانت أيضاً ضربة مرعبة لأولئك الذين يعيشون ويعملون هناك. وخلال الأيام القليلة الماضية، شهدت البلاد حالة من الهلع عبر العديد من القطاعات، في وقت ارتفعت فيه التكاليف في قطاعات حيوية مثل الشحن والغذاء والنقل الجوي، وتذبذباً في الخدمات المصرفية والأسهم. قطر بلد يستورد كل شيء تقريباً، خصوصاً البضائع القابلة للتلف مثل الغذاء. وتستورد قطر أساساً من الولايات المتحدة وألمانيا، ولكن أيضاً من السعودية. وعندما قُطعت العلاقات، بدأ الناس في قطر ينتابهم الذعر بأن الغذاء يمكن أن ينفد من البلاد. وقد اضطرت السلطات القطرية إلى منع الناس من اقتحام محال السوبرماركت التي تم سد النقص فيها يوم الثلاثاء الماضي.

أغذية قابلة للتلف

وتستورد قطر عادة الأغذية من خلال ربطها البري مع السعودية. وعلى الرغم من أن قطر لاتزال تشتري المواد القابلة للتلف من الولايات المتحدة، إلا أنها ستواجه الآن صعوبة في وصول السلع إلى البلاد. كما أن دبي تكتسي أهمية كبيرة لاستيراد وتصدير البضائع بفضل ميناءها الضخم في جبل علي. وفي هذا السياق، قالت «مايرسك»، أكبر خط حاويات للشحن في العالم، «تلقينا تأكيداً بأننا لن نتمكن من نقل البضائع القطرية من وإلى ميناء جبل علي»، مضيفة أنها تبحث عن طرق بديلة. ومن شأن هذه التغييرات أن تؤخر الشحنات، ويمكن أن تحمل عبئاً أكبر من حيث التكلفة، وهو ما لم يتم حسابه رسمياً بعد. وبالإضافة إلى الروابط البرية والبحرية، قد تتأثر الطرق الجوية أيضاً.

ويقول المحلل بنيامين تشانغ «في الواقع، قطر لديها مجال جوي محصور جداً، نظراً لحجم البلد». واستشهد بمركز كابا لتقرير الطيران، الذي قال إن «خسارة المجال الجوي السعودي والبحريني والإماراتي من شأنه أن يقضي على الخطوط الجوية القطرية بشكل فعال». مضيفاً «إنها محاطة إلى حد كبير من قبل المجال الجوي للبحرين، في حين يدار المجال الجنوبي من قبل السعودية، أما الإمارات فتوجد على الحدود الشرقية». وتظهر خرائط المراقبة الجوية مدى الدمار الذي يمكن أن يحدث للخطوط القطرية بسبب إغلاق جيرانها مجالاتهم الجوية أمامها.

لدى قطر ثالث أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، ولكن كما قالت مؤسسة «يورومونيتور» في تقرير خاص، فإن الدوحة «اقترضت بشدة لتمويل مرافق التصدير التي تعمل على تبريد الغاز في السوائل الموجهة إلى الأسواق التي لم يكن بالإمكان الوصول إليها سابقاً في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة».

شحنات الغاز

ومع قيام الدول العربية الأربع بقطع علاقات النقل، يمكن أن تصبح شحنات الغاز الطبيعي المسال أكثر كلفة، وبالتالي تكون أقل قدرة على المنافسة اقتصادياً. وقد يكون لذلك ضرر على الوظائف إذا استمرت الأزمة في الأيام المقبلة. ويقول تقرير «يورومونيتور» إن «صناعات النفط والغاز في البلاد توظف الجزء الأكبر من القوى العاملة النشطة، حيث تمثل أكثر من 90٪ من عائدات التصدير، و50٪ من الناتج المحلي الإجمالي».

إلى ذلك، بدأ النظام المالي هو أيضاً الشعور بالأزمة. وذكرت وكالة «رويترز» أن «بعض البنوك من السعودية والإمارات والبحرين أوقفت خطابات الاعتماد والصفقات الأخرى مع البنوك القطرية، بعد أن قطعت الحكومات في تلك البلدان العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع الدوحة يوم الاثنين». كما ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن «البنوك السعودية تتطلع إلى بيع قروضها للمقرضين القطريين». وهذا يجعل الأسواق متقلبة، حيث انخفض الريال القطري أول من امس إلى أدنى مستوى له منذ يونيو 2016 مقابل الدولار الأميركي، على الرغم من أنه استعاد جزءاً من خسائره ويقترب من الرجوع إلى معدله الرسمي مقابل الدولار، كل ذلك حدث خلال ثلاثة أيام فقط.

نعم، قطر هي واحدة من أغنى الدول في العالم، ولديها قدرة مالية لا تصدق لحماية بنوكها، إنها تكسب مليارات الدولارات في الشهر من صادرات الغاز، ولها 335 مليار دولار من الأصول في صندوقها للثروة السيادية، لكن لاتزال التساؤلات عما إذا كان سحب الاستثمارات قد يبدأ في البنوك القطرية.

وبعد ثلاثة أيام فقط، كان هناك بالفعل أثر ضار ملموس في اقتصادها. إن القيود المفروضة على حرية النقل التي تمتعت بها مع جيرانها هي صفقة ضخمة، وقد بدأت تداعيات تدهور العلاقات الخارجية للتو.

 

الأكثر مشاركة