الخروج من الاتحاد الأوروبي النفس الأخير للإمبراطورية البريطانية
ظلت بريطانيا إمبراطورية من عصر الملكة إليزابيث الأولى إلى إليزابيث الثانية، لكن الاستفتاء الذي أخرجها من الاتحاد الأوروبي يشير إلى أفول سنوات الملكة إليزابيث الثانية، مودعة الفصل الأخير من تاريخ بريطانيا العظمى. وما يحتفل به البريطانيون في الشوارع، ويدعونه للأسف «يوم الاستقلال»، هو الذي سيكشف عن الدور الذي لعبته بريطانيا منذ القرن الـ16 باعتبارها قوة عظمى، إضافة إلى سيطرة مدينة لندن باعتبارها عاصمة المال في العالم.
وبعد أن اعتلت الملكة إليزابيث الأولى العرش عام 1558، بدأ المشروع التجاري مسألة إمبريالية، لكن مع ولادة إليزابيث الثانية كانت الإمبراطورية البريطانية قد توسعت، حتى وصلت مساحتها إلى ربع مساحة العالم تقريباً.
لكن وَهْم الخروج من الاتحاد الأوروبي بأنه سيعيد عظمة بريطانيا والسيطرة السابقة على العالم، سيكون تأثيره عكسياً، وسيؤدي انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصورة حتمية، إلى انسلاخ أسكتلندا في نهاية المطاف عن بريطانيا، كما أن حالة إيرلندا الشمالية أصبحت محل الشكوك، حيث تصوت الأغلبية هناك ضد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
| • سيؤدي انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصورة حتمية، إلى انسلاخ أسكتلندا في نهاية المطاف عن بريطانيا، كما أن حالة إيرلندا الشمالية أصبحت محل شكوك، حيث تصوت الأغلبية هناك ضد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. |
وهذا الانقسام في المملكة المتحدة سيؤثر في مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي، الذي ناله رئيس الحكومة البريطانية السابق، وينستون تشرشل، إذ إن القوى العظمى لن تسمح لبريطانيا الصغيرة المتبقية، بأن تمارس حق النقض (الفتيو) ضد رغباتها، لكن ما الذي يدعو بريطانيا إلى اختيار هذا التصرف؟ في الحقيقة أن الدافع ليس حفاظاً على السيادة، وإنما رفض للتغيرات العرقية. وقال لي الكثير من البريطانيين، خلال ترحالي في هذا البلد لتغطية أخبار الاستفتاء: «بريطانيا لم تعد بريطانيا كما كانت من قبل»، وسمعتهم يقولون أيضاً مئات المرات «لم نعد نعرف بلدنا».
وسكان وسط بريطانيا لا يتعاملون مع الاستفتاء على أنه يتعلق بعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وإنما على شيء آخر هو «الهجرة»، ويرى سكان هذه المنطقة أن المهاجرين هم مرادف لبريطانيا غير البيضاء.
ومما حفز البريطانيين على هذا الاستفتاء هو الهوية، وليس حالة التقشف التي يعيشونها. وخلال تتويجها ملكة عام 1953 أصبحت الملكة إليزابيث الثانية هي ملكة كندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا وباكستان وسريلانكا. وكان سكان بريطانيا من غير البيض، في حينه، أقل من 20 ألف نسمة. وكان 70% من العمال البريطانيين هم عمال يدويون. ولم تكن لندن عاصمة عالمية كما أصبحت في ما بعد. وفي عام 1931 كان أقل من 3% من سكان لندن مولودين لآباء أجانب، وكان هذا ديدن المدينة تاريخياً. ويعتقد المؤرخون أن التجارة والاقتصاد لطالما كانا يخصان عرقاً واحداً فقط منذ القرن الـ17. ولطالما كانت النخب العالمية تستغل المستوطنات الإيرلندية، منذ أواسط القرن الـ19 لدعم القصة الوطنية التي تفيد بأن بريطانيا هي دولة المهاجرين، بيد أن التاريخ لا ينسجم مع هذا الخطاب. ونحن نفضل نسيان ذلك، لكن المجتمعات الإيرلندية عانت مستويات مريعة من الكره العرقي، والفصل المجتمعي خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي.
وكانت أكثر النزعات التاريخية الصادمة لحكم الملكة إليزابيث الثانية، هو التحول العرقي المفاجئ لبريطانيا. وفي عام 1931، عندما كانت الملكة طفلة في الخامسة من العمر، كان 1.75% من سكان بريطانيا من الأجانب، أو المولودين من آباء أجانب. وشهد حكمها للمرة الأولى هجرة غير بيضاء على نطاق واسع من آسيا وإفريقيا والبحر الكاريبي. وبحلول عام 2011، عندما كانت في 85 من العمر، أصبح 20% من سكان بريطانيا وويلز من المهاجرين أو أبناء المهاجرين.
وعندما احتفلت الملكة بعيد ميلادها التسعين هذا العام، كان أكثر من 12% من رعيتها من غير البيض. الأمر الذي يجعل من الجزيرة بريطانيا جديدة، لكن لندن أيضاً أصبحت بلداً جديدة. وفي عام 1971 كان 86% من سكانها من البريطانيين البيض. ولكن بعد مرور 40 عاماً فإن أقل من نصف السكان من البريطانيين البيض.
بن جوداه - مراسل الصحيفة في بريطانيا