الحكومة العراقية تعجز عن هـــــزيمة«داعش»

بينما يحاول الجيش العراقي المدعوم من ميليشيات محلية وغربية وطائرات حربية، كسر شوكة تنظيم «داعش» الإرهابي، تجد الحكومة العراقية نفسها في حرب أخرى، هي حرب أسعار النفط والفساد، اللذان يحدان من قدرتها على شراء الاسلحة اللازمة، والانقسام الطائفي. وعلى الرغم من أن شرطة محافظة نينوى تتدرب في الخطوط الأمامية في الصحراء العراقية لاستعادة الموصل وما حولها، فإنها تعاني نقصاً في الأسلحة.

ويقول الرائد أيمن، الذي يقف بجانب رتل من جنوده بزيهم الأزرق «لقد أعيد تجميعنا هنا منذ سقوط الموصل، ومازلنا في مكاننا منذ خمسة أشهر بسبب عدم توافر الأسلحة». وظلت القوات المسلحة العراقية هدفاً للانتقاد الدولي اللاذع، إثر الاحداث الكارثية عندما اجتاح «داعش» غرب وشمال العراق قبل عامين، إلا أنها بدأت الآن تكسب بعض الاستحسان، عندما تمكنت من استعادة السيطرة على مدينة الرمادي، بمساعدة الآلاف من رجال الميليشيات الشيعية ورجال القبائل السنية، ما اضطر «داعش» إلى التراجع في محافظات الانبار وصلاح الدين.

هجوم مبكر

نقص الأموال

تعاني الحكومة العراقية الأمرّين بشأن عدم توافر الأموال، فقد اضطرت بالفعل إلى خفض أجور القطاع العام، ما تسبب في غضب عارم بين المواطنين، الذين صاروا ينظرون إلى الوظائف الحكومية بأنها حق مكتسب بالنسبة إليهم.

وهناك أيضاً حديث عن هجوم مبكر لاستعادة السيطرة على الموصل، إلا أن ذلك يبدو بعيد المنال على أرض الواقع، فقد اطل في الشهرين الماضيين عدو آخر يتمثل في انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، الأمر الذي خفض ميزانية الحكومة العراقية، إذ إن 90% تقريباً من دخل الحكومة يأتي من النفط، وتأثرت الأسعار بشكل كبير جداً عندما انخفض سعر برميل النفط من 140 دولاراً الى 80 دولاراً العام الماضي، ليصل الآن إلى 40 دولاراً.

ويؤكد وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، أنه بفعل تدني أسعار النفط، تأثرت جميع أنشطة الحكومة العراقية، إلا أن تأثير ذلك كان قويا على وزارة الدفاع. وكان العبيدي يتحدث بعد جولة في الخطوط الأمامية شمال شرق بلدة حديثة في محافظة الانبار، ولدى وصوله بطائرة «C-130» تابعة لسلاح الجو لمعسكر كامب سبيكر في محافظة صلاح الدين، استقبله مسؤولو الحكومة المحلية وهم يشكون من تأخر التمويل من بغداد، ومن وضع رجال الشرطة العزل.

وأضاف «سنتحدث إلى وزارة الداخلية ونساعدهم على الحصول على أسلحة». ويضيف العبيدي «أشار المحافظ إلى أن الأموال قد توقفت تماماً، لكننا واثقون بأننا سندبر لهم المال اللازم».

رحلة غير مشجعة

رحلة صحيفة «ديلي تلغراف» للجبهة الأمامية، لم تعكس صورة جيدة لاستعداد الجيش لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها داعش أو تمويله - فقد رصدت الصحيفة خلال هذه الجولة نضوب معين سيارتي همفي - مصفحتين من الوقود كانتا ضمن موكب الوزير في الصحراء، ويعود ذلك بالطبع لعدم توافر المال اللازم.

 

وأشاد رئيس الأركان، الجنرال عثمان الغانمي، بالتطورات الحديثة من قبل الجيش، فقبل 10 أيام، استطاعت قوات الحكومة العراقية أن تكتسح 50 ميلاً إلى الغرب عبر المنطقة الصحراوية المعروفة باسم جزيرة سامراء في سعيها لتخفيف الحصار الذي استمر 18 شهراً على مدينة حديثة بالأنبار.

كما قطع الجيش أيضاً خطوط الإمداد بين مركزين رئيسين يسيطر عليهما «داعش» هما الفلوجة والموصل. ويقول الغانمي إن هذه العملية نفذها الجيش العراقي والقوات الجوية.

الا أن الوجود المكثف للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والحكومة العراقية، والتي يصطف أفرادها في الطرق، وتغطي شعاراتها جدران المباني تدل على أن الجيش لايزال يعتمد على القوات غير النظامية، والتي لا يتعاون معها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ويقول احد أفراد ميليشيا فيلق بدر، وهو حسين محمد حسن، الذي كان يقف بالقرب من الجنرال الغانمي «نحن قوة ضاربة»، ويضيف «لقد أنجزنا 70% من القتال».

كلما كان الجيش غير قادر على دحر «داعش» ويعتمد في ذلك على الميليشيات الشيعية، قل احتمال وجود سلطة تستطيع كبح جماح التنافس بين الطوائف المختلفة في البلاد.

شح المال

وتعاني الحكومة الأمرّين بشأن عدم توافر الاموال، فقد اضطرت بالفعل لخفض أجور القطاع العام، ما تسبب في غضب عارم بين المواطنين، الذين صاروا ينظرون الى الوظائف الحكومية بأنها حق مكتسب بالنسبة إليهم.

وفي متجر للأثاث في حي الكرادة ببغداد، الذي يشكو انخفاضاً بنسبة 50% في المبيعات هذا العام، يقول ضابط بالجيش يتسوق خارج نوبة عمله مع زوجته، إن جميع العراقيين ينحون باللائمة على الحكومة في خفض رواتبهم، وليس الازمة الاقتصادية العالمية.

ويقول «بالطبع إنها خطأ الحكومة، ويتفق الجميع على ذلك»، رافضاً الكشف عن اسمه، ويضيف «أما بالنسبة لانخفاض سعر النفط، كان يجب أن يفكروا في هذا من قبل ويحتفظون ببعض الاحتياطيات».

الفساد الحكومي هو السبب الرئيس في الأزمة الاقتصادية، التي أحيت حظوظ رجل الدين السياسي الشيعي الأكثر شهرة في العراق مقتدى الصدر، قائد جيش المهدي، الذي كان جيشه في وقت ما شوكة في ظهر القوات البريطانية والأميركية، وصار الصدر هذه الأيام يؤلب أنصاره على مناهضة الحكومة.

واستطاع الصدر أن يفوز جراء ذلك بدعم من مجموعة واسعة من المواطنين، من بينهم دبلوماسيون واقتصاديون، الذين يعتقدون أن الحكومة بحاجة إلى إصلاح.

قلة فاعلية

ويقول الخبير الاقتصادي المستقل ماجد الصوري، إن الدولة العراقية ليست فعالة على نحو متزايد، وإن اعتماد المواطنين المتزايد على الحكومة لتوفير فرص عمل لهم قد أدى إلى ارتفاع غير مستدام في ميزانيتها، وارتفع عدد العاملين في القطاع العام من 650 ألفاً إلى 4.5 ملايين شخص منذ الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين في عام 2003.

ويعتقد الصوري أن السبب في عدم فاعلية الحكومة، يعود إلى القرار الذي تم اتخاذه بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 لبناء ديمقراطية تعتمد على الانتماء الطائفي، وخلق توازن عن طريق تقاسم السلطة في الحكومة بين الطوائف.

وقد خلقت هذه الصيغة، التي ارتكزت على اتفاقات السلام في لبنان وأيرلندا الشمالية، على حد سواء، أغلبية شيعية تحمل في ثناياها عوامل الانقسام الطائفي، وثقافة المحسوبية السياسية.

ويوفر القادة السياسيون وظائف في مقابل غض الطرف عن الفساد المستشري. ويعتقد الصوري أن «هؤلاء القادة ليسوا مليونيرات، وإنما مليارديرات»، مشيراً إلى تقارير واسعة الانتشار عن الثروة الشخصية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومجموعة من القادة الآخرين.

وتختلف آراء ذلك الضابط المتسوق ومدير المتجر براء عبدالله في ما يتعلق بالإصلاح، ويقول عبدالله «إذا كان لديك شهادة جامعية فلك الحق في أن تحصل على وظيفة في القطاع العام، وهذه هي الطريقة التي تعمل بها الدولة العراقية». ويقول أحد المسؤولين الغربيين إن هناك الآن أكثر من سبب للتفاؤل، على الرغم من صعوبة الموقف السياسي أكثر من أي وقت مضى، وذلك جزئياً بسبب مكاسب الجيش ضد «داعش».

ويستطرد بأن «الجيش العراقي أصبح مؤسسة تحظى باحترام ويلتف حولها الناس، إلا أن الأمر يحتاج الى وقت طويل قبل أن يصبح الجيش العراقي موحداً كما كان عليه الحال قبل 35 عاماً، لكنه يمضي في الطريق الصحيح».

وفي الصحراء، يقول الغانمي إنه يمكنه كسر حصار حديثة خلال يومين، إلا أن الظروف تضطره للمضي قدما ببطء، لتطهير القنابل والشَرَك الخداعية التي نصبها «داعش». أما الميليشيات الشيعية فكانت أكثر ادعاء، حيث يقول المتحدث باسمها أحمد الأسدي، وهو أحد نواب البرلمان، إن سجل الجيش وحلفائه من العشائر السنية، وحتى مع الدعم الجوي الأميركي، يجد صعوبة في استعادة السيطرة على الأرض. ويضيف «استطاعوا استعادة الرمادي، ولكن بعد تدمير المدينة بنسبة 80%»، ويختتم قائلاً «أما بالنسبة لبقية المناطق فلم تكن هناك قوات كافية لتحريرها، فإذا كان هناك مثل هذه القوات فلن يكون لدينا مشكلة أبداً».

 

الأكثر مشاركة