تشديد القبضة الأمنية في تونـس يهدّد الحريات ومكاسب ثورة «الياسمـين»

ضرب الإرهاب مرة أخرى تونس وأصابها هذه المرة في مقتل وفي منطقة حساسة للغاية. لقد ضرب قطاع السياحة الذي يدر على البلاد مداخيل مهمة للغاية، في بلد يشهد انتقالاً ديمقراطياً هشاً. وبدت وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي، عند انتقالها إلى مسرح الجريمة في سوسة، على الساحل الشرقي، شاحبة الوجه، لما رأت من هول الفاجعة، في فندق «امبريال مرحبا». لقد كانت الوزيرة تروج للسياحة في بلدها بقوة وتسعى جاهدة لكسر هاجس الخوف من الوضع الأمني، إلا أن الهجوم الأخير الذي خلف عشرات الضحايا، قد يقوّض هذه المساعي المشروعة الرامية لتنشيط الاقتصاد الوطني.

قوانين صارمة

يقول مراقبون للشأن التونسي إن تونس تشعر بالفخر لأنها مازالت مستمرة في التعامل مع تحديات الثورة بشكل مرن، بما في ذلك الاغتيالات السياسية والتهديدات الإرهابية، وهجوم سوسة واحد من أكبر تلك التحديات حتى الآن. يذكر أن الرئيس التونسي قام بإصدار قوانين صارمة لمحاربة الإرهاب ووعد بحملة لمواجهته، عقب هجوم متحف باردو، لكن تلك التشريعات لم تتم الموافقة عليها من قبل البرلمان ولقيت تحفظات مختلفة أبداها ناشطون في مجال حقوق الإنسان وسياسيون، وتتعلق بحرية الرأي وقواعد احتجاز المواطنين والانتهاكات التي تقوم بها الشرطة. والغريب هذه المرة أن الإرهابيين استهدفوا منطقة «ميناء القنطاوي» في سوسة، التي يعتبرها موقع الحكومة البريطانية من المناطق الأقل خطراً في تونس على السياح البريطانيين. في حين ينصح الموقع الرسمي بتجنب المناطق الحدودية. ويفضل البريطانيون قضاء عطلهم في المنتجعات على الشواطئ الشرقية.

صرحت اللومي قائلة «الوضع خطير جداً. سيتم اتخاذ إجراءات صارمة وكل شيء سيتغير»، مضيفة أنه «يتعين التعاطي مع الهجمات التي تستهدف الدولة والتجاوزات بجدية كبيرة». وتلخص هذه التصريحات الجو العام الجديد في تونس ما بعد هجوم سوسة، في الوقت الذي بات الإرهاب يضرب بعنف متزايد وأصبح الخطاب الأمني في تونس رائجاً في بلد يبدو قلقاً على مستقبله. وحتى الرئيس باجي قايد السبسي نفسه، صرح خلال تنقله إلى مكان الجريمة أن هناك «إجراءات مؤلمة» سيتم اتخاذها لأنها ضرورية. من جهته، أعلن رئيس الوزراء حبيب الصيد عن خطة ذات طابع أمني للتصدي للجماعات المسلحة.

وقررت تونس جعل المناطق الجبلية التي ينشط فيها المسلحون مناطق عسكرية، والعمل على تفكيك الخلايا الإرهابية، كما أعلنت الحكومة عن دوريات منظمة بالقرب من الفنادق السياحية وداخلها وإغلاق المساجد الخارجة عن مراقبة السلطات. وبعد تبنيه لهذا النهج الأمني، بإمكان الحكومة التي يديرها حزب نداء تونس، الاعتماد على الدعم الشعبي، إذ ينادي غالبية الناس بفرض سلطة الدولة واسترجاع الأمن. وحتى حزب النهضة الذي كان يقود الائتلاف الحاكم لم يعد له دور في النهج الجديد، على ما يبدو. وفي ذلك يقول المستشارالسياسي لزعيم حزب النهضة، لطفي زيتون «لا نلوم وزارة الداخلية في ما جرى، ونحن متضامنون مع المؤسسات الأمنية في الدولة».

في المقابل، عبرت منظمات حقوقية في تونس عن قلقها حيال التوجه الحكومي الجديد. وتعتبر هذه المنظمات التضييق الأمني تهديداً للمكاسب التي حققتها ثورة «الياسمين» 2011 في ما يخص الحريات. وفي هذا الصدد، كان عدد من المنظمات الحقوقية قد دق ناقوس الخطر في الآونة الأخيرة، بسبب قوانين قيد الدراسة لمكافحة المجموعات المسلحة، منها معاقبة كل من يقوم بتشويه سمعة قوات الأمن أو إفشاء أسرار متعلقة بالأمن والاستقرار الوطني. ويقول ناشطون في مجال الحريات إن مثل هذه القوانين تهدد «حرية التعبير». وعلى الضفة السياسية الأخرى، دعت أحزاب في اليسار التونسي إلى نهج أكثر شمولية لمكافحة ظاهرة الإرهاب. وفي ذلك يقول المتحدث باسم الجبهة الشعبية، حمة حمامي «يتعين على أي استراتيجية حقيقية ضد الإرهاب أن تتضمن الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية،» مضيفاً «يجب ألا يقتصر الأمر على الجانب الأمني فقط». ومنذ بداية الهجمات الإرهابية في 2012 و2013 لم تبد الحكومات المتعاقبة وجزء من الطبقة السياسية اهتماماً كبيراً بالظاهرة؛ وكان كل من يتحدث عن مخاطر محدقة بالبلاد يعتبر «نذير شؤم».

وإلى وقت قريب يرفض العديد من السياسيين الحديث عن «ظاهرة محلية الصنع»، وعن جذورها الاجتماعية والجهوية. لماذا ذهب نحو 3000 شاب تونسي للقتال في العراق وسورية؟ إنهم يهددون، الآن، بلدهم انطلاقاً من ليبيا المجاورة.

ويعتقد مراقبون أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة قد لا تكون كافية لكبح جماح المجموعات المتطرفة. ويقول الباحث غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، حمزة مؤدب، إن غلق المساجد أو استعادة السيطرة عليها غير كافٍ «لا يمكن التصدي لهذه المجموعات التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة بشكل جيد كوسائل لنشر خطابها، بالتسبب في فراغ في الحقل الديني».

يذكر أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قد فعل الشيء نفسه، وفقاً للباحث، ما خلق فراغاً دينياً وكانت النتيجة تطرف شريحة واسعة من الشباب التونسي خلال العقود الماضية.

ويذكر أن مقاطع فيديو تم تداولها أخيراً على شبكات التواصل الاجتماعي في تونس ورسائل متطرفين هددوا بشن هجمات في بلادهم. واعتبر نشطاء أن السلطات لم تتعامل كما ينبغي مع هذه التهديدات متجاهلين آلاف المقاتلين ضمن تنظيمات مسلحة في العراق وسورية وليبيا. ويقول شهود إن قوات الأمن تأخرت في الوصول إلى الفندق الذي تعرض لإطلاق النار على السياح.

وطالب خبراء بضرورة إصلاح أجهزة الأمن، في الوقت الذي تحاول السلطات إقناع المواطنين بالتعاون مع الشرطة والجيش من خلال رصد مكافآت مالية لكل من يدلي بمعلومات تمكن من إلقاء القبض على عناصر مطلوبة، وهو إجراء اعتبره كثيرون أنه قد يشجع البلاغات الكيدية. واستطاعت تونس أن تجري عملية تحول ديمقراطي والاتفاق على دستور جديد ترتبت عليه انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة، لكن الدولة عانت من الآثار الاقتصادية للثورة على نظام بن علي، إذ يعتمد اقتصادها بصورة كبيرة على السياحة والزوار الأجانب. وقد يخلق الهجوم الأخير تحديات جديدة أمام الحكومة في تعاملها مع المشكلات الاجتماعية بما في ذلك البطالة التي قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرارالاجتماعي بها.

وترى المحللة المتخصصة في شؤون شمال إفريقيا مونيكا ماركيز، أن هجوم سوسة قد يكون له تداعيات أكثر خطورة من هجوم المتحف القومي، لأن معظم السياح لا يعتبرون زيارة متحف باردو من أولوياتهم، لكنهم يعتبرون أن قضاء الوقت على الشواطئ هو قبلتهم الأولى، خصوصاً البريطانيين والألمان.

وتعتقد المحللة المقيمة في تونس أن استجابة الحكومة للهجوم الأخير سيكون عنصراً حاسماً في الوقت الذي تحاول السلطات الموازنة بين الإجراءات الأمنية وحقوق الإنسان، مشيرة إلى أن كليهما على درجة من الأهمية.

الأكثر مشاركة