العراق بين فكي «داعش» وتســــــــــــليح الأكراد

لم يعد يخفى على أحد أن العراق أصبح بين فكي خطرين، أولهما اجتهاد الأكراد في محاولتهم تعزيز تسلحهم وزيادة ما لديهم من عتاد من حيث الكمّ والنوع، والثاني الممارسات المتطرفة والمنافية للدين والمرفوضة جملة وتفصيلاً من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). ويتردد في لندن وأربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق)، أن بريطانيا تفكر جدياً في تسليح الأكراد لمواجهة خطر مسلحي «داعش» الذين أدت ممارساتهم إلى طوفان من النزوح واللجوء داخل العراق وخارجة وخاصة من المسيحيين وأبناء الطائفة الإيزيدية.

مسؤولية بريطانية

يقول رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، إن بريطانيا عليها «مسؤولية تاريخية» في تقديم دعم عسكري لأكراد العراق في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).و أضاف أن لندن «كانت مسؤولة عن رسم خريطة الشرق الأوسط، ونحن الاكراد ضحايا بعض أخطاء الماضي، وعليهم مسؤولية تاريخية في تصحيح هذه الاخطاء».

وحذر بارزاني من أن قوات البشمركة الكردية وعلى الرغم من تماسكها الجيد، إلا أنها تفتقر إلى التسليح الجيد، وهو ما يهدد بخسارتها المعركة إذا لم تزودها الدول الغربية بالسلاح، فالقوات الكردية في نظره هي الجبهة الأمامية لقتال مسلحي «داعش» نيابة عن العالم. وقال إن "هؤلاء المسلحين المتطرفين لا يعترفون باي حدود، ولا يكنّون أي احترام للأقليات الدينية أو العرقية ولن يترددوا في انتهاز اية فرصة لتوسيع نفوذهم وفرض سيطرتهم.

 بارزاني: بريطانيا تتحمل مسؤولية تاريخية في دعم الأكراد. غيتي

وتتفق الاغلبية الكبيرة من المحللين المتابعين لما يجري في العراق، على أن تسليح الأكراد قد يشكل خطراً على وحدة العراق، لكن البدائل تبدو أكثر سوءاً بحيث لا تترك كثيراً من الخيارات أمام لندن وواشنطن المعنيتين أكثر من غيرهما بما يدور في العراق.

ويرى بعضهم أن تسليح الأكراد يساهم في تحسين أحوال الاقليات في العراق وسورية، لكنه ينطوي على المخاوف من احتمال ان تنتهي الحال بهذه الترسانة من الاسلحة إلى انفصال إقليم كردستان نهائياً عن العراق، ما يهدد وحدة أراضيه. وسبق أن زودت واشنطن الجيش العراقي بالاسلحة لكنها وقعت في أيدي تنظيم «داعش» المتطرف.

غير أن فريقاً يقول، إن هذه المخاوف قد تكون أقل حدة من مخاوف أخرى بسبب تماسك القوات الكردية (البشمركة) والتى تمكنت بالفعل من إنزال بعض الهزائم بمسلحي التنظيم خلال الايام الماضية، لكنهم يشيرون إلى أن الأمر الأكثر خطورة هو أن تسليح الاكراد بشكل مباشر من دون التعاون مع بغداد سيعزز بالطبع من قدرتهم على الانفصال، وهو الامر الذي يحاول الغرب احتوائه، لأنه يعزز النزعات الانفصالية والطائفية في منطقة عرضة لهذه النزعات وتشمل تركيا وايران وسورية.

ويقول مدير «مركز الابحاث الدولي» في نيويورك، ريتشارد غوان، إنه في بعض الاحيان يتحتم التدخل فوراً لوقف التطورات التي تقع فعلاً على أن يتم في وقت لاحق بعد ذلك النظر في عواقبها.

ويعتقد غوان وباحثون آخرون أن تنظيم «الدولة الإسلامية» أصبح أكثر خطراً وتعقيداً من تنظيم القاعدة، وأصبح الاكثر خطورة على المنطقة عندما أعلن عن قيام «دولة الخلافة الإسلامية»، وأن مقاتليه ليسوا فقط مجرد «متشددين» يرتدون السواد ويستغلون ضعف الروح المعنوية للجيش العراقي.

وتقدم «دولة الخلافة» نفسها للمسلمين السنّة على أنها الجهة الوحيدة القادرة على تفكيك «المحور الشيعي» الذي يشمل إيران و«حزب الله» اللبناني وبغداد، ابتداء من طهران مرورا بالعاصمة العراقية وامتدادا إلى العاصمة اللبنانية بيروت.

كما أن تقلص سيطرة الحكومة المركزية في كل من العراق وسورية أعطى تنظيم «داعش» فرصة كبيرة للانتشار على الارض في البلدين. وأوجد التنظيم لنفسه عموداً فقرياً في المنطقة ليبلور«أفغانستان أخرى» في الشرق الاوسط ولكن مع محاولة الحصول على منفذ له على البحر الابيض المتوسط.

ومما عزز من وجود تنظيم «داعش» غياب سلطة الدولة المركزية في العراق وسورية والتدخل الواضح للقوى الدولية في منطقة وجود مسلحي التنظيم الممتدة من شمال العراق إلى شمال شرقي سورية.

وعلى الرغم من الضربات الجوية الأميركية التي عملت على تأخير وإبطاء تقدم اولئك المسلحين في شمال العراق، إلا أنهم يتقدمون في مناطق أخرى، مستغلين غياب اتفاق على كيفية مواجهتهم والقوة المطلوبة لذلك.

ويأتي تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية » في وقت شديد الحساسية تتعرض فيه منطقة الشرق الاوسط لانفجارات متتالية، وهو ما يجعل التخلص نهائياً من هذا التنظيم احتمالاً ضعيفا. ولا شك في أن مستقبلاً قاتماً ينتظر مئات النساء من الطائفة الإيزيدية، اللاتي اختطفهن مقاتلو تنظيم «داعش» في شمال العراق حيث قالت مصادر في المخابرات الكردية، إن هؤلاء النساء المختطفات يعملن ك «جوار» في منازل أو يجري بيعهن لمهربي البشر للعمل في مواخير في أنحاء الشرق الأوسط، بينما يتم إجبار أخريات على الزواج من مسلحي التنظيم.

وأشار ضباط في الاستخبارات الكردية إلى أنهم تلقوا معلومات تفيد بأنه يتم بيع النساء لمهربي البشر وتجار الرقيق الابيض بما يتراوح بين 500 دولار و3000 دولار للمرأة، ويسود اعتقاد بأن مسلحي «داعش» اختطفوا 1200 امرأة على الأقل من بلدة سنجار الجبلية وحدها، بينما اختطفوا آلاف أخريات من بلدات وقرى أخرى. كما يستخدم أولئك المسلحون مدرستين في تلعفر والموصل كسجنين مؤقتين للنساء حيث يتعرضن لمعاملة بشعة وتهديدات.

وطلب بعض زعماء الطائفة الإيزيدية من القوات الكردية أن تقصف السجنين، مفضّلين أن تموت النساء بشرف بدلاً من مواجهة حياة من الاحتجاز والاغتصاب والذل، حيث قال مصدر كردي إن الإيزيديين «طلبوا منا أن نساعدهم في قتل نسائهم لانهم يفضلون لهن الموت على مواجهة العبودية والذل».

ونبه مسؤولون في الأمم المتحدة من تفاقم الأزمة الإنسانية في شمال العراق مع التقدم الذي يحققه مسلحو «داعش»، حيث أشار هؤلاء ومسؤولون أكراد إلى أن هناك ما يقرب من 150 ألف لاجئ في محافظة دهوك ما يشكل عبئاً على السكان المحليين الذين يحاولون تقديم الغذاء والمساعدات الاخرى للاجئين.

يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه بريطانيا المساعدة في إنقاذ آلاف الإيزيديين العالقين في منطقة جبل سنجار، بينما استبعدت الولايات المتحدة الاشتراك مع البريطانيين في الانقاذ اوالقيام بعملية انقاذ مماثلة منفصلة لكنها تعهدت بمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية.

الأكثر مشاركة