توني بن.. سياسي بريطاني أنضجته السنون
منذ وقت طويل قبل بدء حملة مقاطعة منتجات المستوطنات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ومقاطعة المؤسسات الأكاديمية في بريطانيا للجامعات والمعاهد الإسرائيلية لم يتوقف السياسي العمالي البريطاني المخضرم، توني بن، الذي رحل أخيراً عن عالمنا، عن الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل. وكتب بن في مدونته في أبريل 2002، وتحت عنوان: دولة فلسطينيا الآن: «يجب على بريطانيا أن تدعم استراتيجية شاملة بوقف مبيعات كل انواع الأسلحة الى اسرائيل، وفرض عقوبات تجارية عليها، وحظر أشكال الاستثمارات كافة فيها، وفرض حظر على المنتجات والبضائع الإسرائيلية في الأسواق البريطانية». وكانت الاستراتيجية التي يتحدث عنها بن تتعلق بإعلان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عن قيام دولة فلسطينية مستقلة تسارع الدول والحكومات الصديقة الى الاعتراف بها. وكان ما يكتبه ويقوله بن تجسيداً لرغبة اليسار السياسي البريطاني في الاقرار بأن الشعب الفلسطيني جدير بالحصول على حقوقه وحريته وسيادته، اضافة الى التعبير شخصياً عن جرأته وصراحته في دعم وتجسيد قيم نبيلة ومبادئ عادلة وحقيقية، حيث بقي صلباً وصامداً لا يقبل المساومة في قضايا العدالة وحقوق الإنسان. وبرحيله عن دنيانا في 13 مارس الجاري عن 88 عاماً ترك لنا هذا المحارب اليساري العالمي فراغاً يمثل ملؤه تحدياً كبيراً وجدياً لنا. ولم تبخل وسائل الإعلام البريطانية في امتداح الرجل وصفاته ومشواره في الحياة السياسية في بريطانيا، وإصراره على صلابة موقفه في رفض المساومة حينما يتعلق الأمر بالعدالة وحقوق الإنسان، وأشارت الى أن الرجل فهم السياسة كمسرح أو ميدان للشجار والتنافس في الأزمات الأخلاقية، وان البرلمان منصة لخدمة الشعب وتحقيق تطلعاته . بن كان سياسياً من طراز مختلف، ما جعل علاقته ببريطانيا علاقة الحب ــ والكراهية، وليس بينهما أي مساحة رمادية أو للون آخر. وذهب بعض وسائل الإعلام البريطانية الى الاستشهاد بكلمات منافسه اللدود في حزب العمال رئيس الوزراء السابق هارولد ويلسون، 96 عاماً، الذي مازال على قيد الحياة والذي قال: «إن بن لم ينضج مع مضي العمر»، في إشارة ضمنية منه إلى أن بن ازداد راديكالية ونزقاً وعصبية كلما تقدم في العمر. وقد استثمر ويلسون وفريقه في حزب العمال الكثير في الهزائم التي مُني بها الحزب بقيادة بن أمام المحافظين الذين فازوا أربع مرات متتالية في الانتخابات بقيادة مارغريت تاتشر، ومن بعدها جون ميجر، ليواجه بن اتهامات وتحديات بالتسبب في انقسام حزب العمال. وحتى من وجهة نظر الذين اختلفوا معه فقد كان بن وسيبقى في نظر الآخرين قامة عالية بقيم وأخلاقيات عالية، على نقيض توني بلير الذي كان محدداً ومقيداً بالصورة العامة لنظرائه، حيث يمكننا أن نتصور أن وسائل الإعلام الإسرائيلية وحدها يمكن أن تتذكره بكثير من الإعجاب.
واستمعت ذات مرة الى بن وهو يخطب في ميدان الطرف الأغر، وقد زين عنقه بالكوفية الفلسطينية، فتحدث عن العراق ولبنان وفلسطين بروح وكأنه واحد من أبناء شعوبها، وكانت لغته وكلماته تبعث الحماسة والحيوية في المستمعين، وترفع كثيراً من معنوياتهم. وبعد فإن بن لم يكن السياسي البريطاني الوحيد الذي تحدث عن مسألة مشاركة المسؤولية عن الجرائم التي تعرض لها الفلسطينيون، بل تبعه قلة آخرون. وفي مسيرة أو تظاهرة جديدة لنصرة فلسطين سيكون بلا شك هناك مقعد خالٍ وعليه الكوفية الفلسطينية واسم توني بن، لأن هذا جزء من تقليد ثقافي فلسطيني بتكريم كل من أيّد قضية فلسطين وانتصر لها حتى ولو كان بريطانياً خالصاً.
رمزي بارود - صحافي ومترجم فلسطيني، رئيس تحرير صحيفة بالستاين كرونيكل الإلكترونية، والمقال منشور في «فورن بوليسي جورنال».