شارون هو من قتل عرفات بالسم

لم يكن لدي أدنى شك منذ اللحظة الأولى في اغتيال ياسر عرفات، لقد كانت مسألة منطقية بسيطة، فخلال عودتنا من تشييع جثمانه تبادلت وجهات النظر مع عضو الكنيست عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، جمال زحالقة، وتوصلنا إلى النتيجة نفسها. وأكدت النتائج التي توصل إليها خبراء سويسريون، الأسبوع الماضي، قناعتي أكثر في هذا الخصوص.

كراهية مفرطة

شخص واحد لا أشك في أنه يكنّ كراهية عميقة ودائمة لعرفات، هو أرييل شارون، فقد بدا هذا الأخير غاضباً عندما استطاع عرفات الإفلات من قبضته خلال حصار بيروت.

الرمز

بالنسبة للإسرائيليين كان عرفات رمزاً للشعب الفلسطيني، ومكروهاً لديهم أكثر من أي إنسان آخر بعد أدولف هتلر وأدولف ايخمان. ويختزل لهم صراع الأجيال مع الشعب الفلسطيني.

زرت عرفات قبل بضعة أسابيع من وفاته، وبدا في صحة جيدة إلى حد لا بأس به، وعند مغادرتنا أشرت لزوجتي راشيل بأنه بدا أكثر ذكاء ويقظة مقارنة بزيارتنا السابقة له، لكنه أصيب فجأة بالمرض، ولم يكن هناك سبب واضح. وأخضعه الأطباء لفحص مكثف في المستشفى العسكري الفرنسي، الذي تم نقله إليه بناء على إصرار من زوجته سهى، وهو المستشفى نفسه الذي توفي فيه، ولم يجد الأطباء تفسيراً لحالته. وهذا في حد ذاته أمر غريب جداً، فقد كان عرفات زعيماً لشعبه، والرئيس الفعلي لدولة الواقع الفلسطيني، ونحن على يقين من أن الأطباء الفرنسيين لم يدخروا جهداً في تشخيص حالته.

إذن لماذا لم يتم اكتشاف السم خلال تشريح جثته؟ الجواب بسيط جداً، وهو أننا من أجل الكشف عن السم ينبغي أن نحدد نوع السم الذي نبحث عنه، لأن قائمة السموم طويلة جداً، ويقتصر البحث الروتيني على عدد قليل عنها.

خلال زياراتي العديدة له كنت أتعجب دائماً من الاحتياطات الأمنية المتراخية التي تحيط به.

وعند لقائنا الأول في بيروت المحاصرة، كنت أتساءل عن أسباب ثقته بي، ذلك لأن عدداً كبيراً من عملاء الموساد وجواسيس الكتائب، في ذلك الوقت، يمشطون المدينة بحثاً عنه، فلماذا لا يشك أنني عميل للموساد، أو أن أحد عملاء الموساد يتتبعني، أو أنني أحمل عن غير قصد بعض أجهزة تحديد الموقع؟

وفي وقت لاحق في تونس، كان تفتيش زواره أمراً روتينياً، مقارنة بالاحتياطات الأمنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، التي كانت أكثر صرامة .

ولم يتم في مقاطعة رام الله إضافة أي إجراءات أمنية، فقد تناولت معه وجبات الطعام مرات عدة، وتعجبت مرة أخرى من أسلوب انفتاحه. وكان يدعو ضيوفه من الخارجية الأميركية وغيرهم، الذين كانوا (أو على ما يبدو) مؤيدين للقضية الفلسطينية، لزيارته بكل حرية، والجلوس إلى جواره، حيث يسهل لمن يشاء دس السم في طعامه. وكان عرفات ودودا مع ضيوفه وينتقي لهم الطعام بيده، وفي حقيقة الأمر فإن بعض السموم لا تحتاج إلى دسها في الطعام ويكفي فقط ملامستها بلطف بجسد الشخص المستهدف.

كان عرفات من أكثر الأشخاص المعرضين للخطر في العالم، على الرغم من كونه محاطاً بالكثير من الأعداء المميتين، وتسعى أكثر من 10 أجهزة أمنية في العالم للقضاء عليه، فلماذا ظل هذا الرجل مكشوفا لعقود؟ عندما أوضحت له رأيي في حالته الأمنية قال لي إنه يؤمن بالعناية الإلهية.

كان مسافراً ذات مرة في طائرة خاصة من تشاد إلى ليبيا، وأخبره الطيار بنفاد الوقود، وأنه سيضطر إلى الهبوط اضطرارياً وسط الصحراء، فغطاه حراسه بالوسائد وقضى كل من في الطائرة ونجا هو من دون أي خدوش تقريباً. ومنذ ذلك الحين أصبح أكثر إيماناً بالقضاء والقدر، كان متديناً من غير مغالاة، وكان يعتقد أن أن الله قد عهد إليه مهمة تحرير الشعب الفلسطيني.

 

من الذي نفذ عملية الاغتيال؟

هناك شخص واحد لا أشك في أنه يكن كراهية عميقة ودائمة لعرفات، وهو ارييل شارون .فقد بدا هذا الأخير غاضباً عندما استطاع عرفات الإفلات من قبضته خلال حصار بيروت. واستطاع الدبلوماسي العربي الأميركي، فيليب حبيب، التوصل إلى ترتيب استطاع مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية، بمن في فيهم عرفات، الانسحاب بشرف من المدينة، مع أسلحتهم. كنت مستلقياً على سطح مستودع في مرفأ بيروت عندما بدأت قوات منظمة التحرير الفلسطينية تستقل إحدى السفن لمغادرة لبنان. ومنذ ذلك الحين صار شارون يصرح علناً عن عزمه في قتل عرفات. وعندما يقرر شارون القيام بشيء فإنه لا يستسلم أبداً، حتى في أمور أصغر من هذه بكثير، وإذا فشل فإنه يواصل جهوده مراراً وتكراراً إلى أن ينجح.

أعرف شارون جيداً، وأعرف تصميمه، وعندما شعرت بأن شارون كان على وشك أن يحقق هدفه، ذهبت مع راشيل وبعض الزملاء إلى المقاطعة للعمل كدرع بشرية لعرفات، وفي وقت لاحق شعرنا بالارتياح عند قراءتنا مقابلة مع شارون يشتكي فيها من أنه لم يكن قادراً على تنفيذ الاغتيال المخطط لأن «بعض الإسرائيليين كانوا يقيمون هناك». وكان هذا أكثر بكثير من مجرد ثأر شخصي، فقد كان شارون ينظر إلى هذا الاغتيال كهدف وطني. وبالنسبة للإسرائيليين فقد كان عرفات رمزاً للشعب الفلسطيني، ويجسد لهم الكراهية الشديدة، كان مكروهاً لديهم أكثر من أي إنسان آخر بعد أدولف هتلر وأدولف ايخمان. ويختزل لهم هذا الرجل صراع الأجيال مع الشعب الفلسطيني.

فقد كان عرفات هو الشخص الذي بعث الحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة، وهو الذي سعى لإحباط الحلم الصهيوني في الاستيلاء على كل المنطقة الواقعة بين البحر والأردن. وكان هو من قاد الكفاح المسلح، وعندما تحول نحو التسوية السلمية، واعترف بدولة إسرائيل، ووقع اتفاقات أوسلو أصبح مكروهاً أكثر لدى الإسرائيليين، لأن السلام سيعيد الكثير من الأراضي للعرب، وربما ما هو أسوأ من ذلك!

خلال سنوات عديدة عكف جيش كامل من المرتزقة على تنظيم حملات دعائية مدفوعة الأجر لتشويه صورة الرجل، وألصقوا به كل قبيح، وزعموا أنه مصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة (إيدز)، لكن لم يجد الأطباء الفرنسيون أي أثر لهذا المرض.

في سبتمبر 1997 تم إرسال فريق إسرائيلي لاغتيال رئيس المكتب السياسي لمنظمة حماس، خالد مشعل، في عمان، وكانت وسيلة القتل هي سم «الفينتانيل» الذي لا يترك أي آثار وينتج عنه ما يشبه النوبة القلبية، ويتم دسه للضحية من خلال ملامسة خفيفة لجسده. لكن فشلت المحاولة، وهرب الجناة إلى السفارة الإسرائيلية بعد أن كشفهم بعض المارة في الطريق، وأقسم العاهل الأردني السابق، الملك حسين، بأنه سيشنق الجناة ما لم توار إسرائيل ترياقاً لإنقاذ حياة مشعل، وأذعن رئيس الوزراء آنذاك، بنيامين نتنياهو، وأرسل رئيس الموساد إلى عمان مع الأدوية المطلوبة.

سؤال آخر هو: لماذا لم يقتل شارون عرفات من قبل بعد حصاره لفترة طويلة جداً في مقره في رام الله؟ أنا نفسي رأيت الجنود الإسرائيليين على بعد أمتار قليلة من مكتبه .الجواب هو أن الولايات المتحدة كانت تخشى من أن يصبح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بطلاً لعشرات الملايين في جميع أنحاء العالم العربي، وستنفجر المنطقة ضد الولايات المتحدة، ولهذا ينبغي أن يتم تدبير اغتياله بطريقة تجعل إسرائيل بمنأى عن الشك.

يوري أفنيري كاتب يهودي إسرائيلي متضامن مع القضية الفلسطينية

الأكثر مشاركة