ترسخ العداء لأميركا في الشارع الإيراني
من الطبيعي أن تعيش طهران حالة من التوتر، شأنها في ذلك شأن العديد من العواصم في المنطقة، بسبب تواتر الأنباء عن عمل عسكري أميركي محتمل ضد سورية. وقال لي أحد المراقبين إنه يخشى أن تكون رحلته الجوية الأخيرة من دمشق إلى طهران الأخيرة لفترة قد تطول في ضوء ما قد يحدث في الأيام المقبلة. وأضاف أنه يحب إيران وشعبها بكل ما يحمله من أفكار وانطباعات عن أميركا، وأنه لاحظ أن كثيراً من الإيرانيين يشاركونه طريقة التفكير ويتشابهون في آرائهم معه ومع أصدقائه في الولايات المتحدة، على الرغم من الصورة التي ترسمها الحكومة في كل من واشنطن وطهران.
وقد شهدت مؤتمر «الأسر الإيرانية لضحايا الإرهاب» الذي نظمته منظمة «هابيليان اسوسييشن » حول الإرهاب وضحاياه، والذي شارك فيه أيضا طلاب من جامعة طهران قدموا المساعدة في عملية مسح للرأي حول تأثير العقوبات الاقتصادية التي تقودها أميركا ضد إيران، كما بحث هؤلاء الطلاب وتقصوا في آثار هذه العقوبات على أسرهم ومجمل فئات الشعب الإيراني وحاولوا وضع تعريف دقيق وواضح «للإرهاب الاقتصادي». وشارك وفد أميركي في المؤتمر، فقدم ورقة عمل يقترح فيها اعتبار استهداف المدنيين بالعقوبات الاقتصادية أمراً ضد القانون. وحث المشاركون في المؤتمر حركة عدم الانحياز على توظيف ثقلها السياسي الدولي لشن حملة دولية واسعة النطاق للتصديق على ميثاق دولي جديد بهذا الشأن خلال الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وتعرّف العديد من الوكالات والهيئات الحكومية الاميركية الارهاب الاقتصادي بانه استهداف المدنيين ومحاولة تغيير النظام السياسي بالعقوبات الاقتصادية، وهناك تجارب عملية سابقة وعديدة مثل كوبا وفيتنام والصين وكوريا الشمالية وإيران ونيكاراغوا.
وبالنسبة للأميركيين فإن حصولهم على تأشيرة لدخول سورية أو إيران هذه الأيام أمر يبدو صعباً ودقيقاً للغاية، إذ يبدو كأنهم يدفعون ثمن مواقف حكومتهم وتصرفاتها وأعمالها.
ويتيح الحديث مع الإيرانيين العاديين كالتجار والبقالين والعمال والطلاب الفرص لتكوين فكرة جيدة عن مدى اهتمام الرأي العام الايراني بالأحداث الجارية، ويقدم صوراً مغاير كثيراً لتلك التي يقدمها الاعلام الغربي. وفي الشارع الايراني، وعلى الرغم من الارتفاع الكبير وغير المسبوق في تكاليف الحياة، فإنك تشعر بكل بساطة ومباشرة بشعور الإيرانيين بالفخر بمقاومتهم العقوبات التي تقودها أميركا ضد بلادهم. ويثير سجل العلاقات الخارجية للولايات المتحدة جدلاً قوياً حول مدى التزامها الرسمي بالإرهاب الاقتصادي العالمي. ويلخص أحد الاكاديميين تأثير العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على ايران بالقول إنه عميق وكبير إلى درجة أنها تقلص الدخل الحقيقي المتواضع لأصحاب البقالات والدكاكين الصغيرة، وتضعف قدرة الحكومة على توفير بعض البدائل الارخص للتخفيف من أضرار تلك العقوبات، ويضيف أن مسؤولي الحكومة في طهران والقطاع الخاص وجدوا طرقاً ووسائل جديدة وطبقوها للتقليل من آثار بعض العقوبات، ما أدى إلى بروز توجهات عامة تساعد في طرح بعض المناطق والضواحي مبادرات لمساعدة مناطق وضواح أخرى في تجاوز صعوباتها الاقتصادية.
وعلى الرغم من إداركهم أن استخدام الاسلحة الكيماوية في سورية «خط أحمر» يمكن أن يفضي إلى حرب اقليمية، إلا أن الإيرانيين يشعرون بغضب متزايد تجاه الحملة الاميركية المتصاعد لمهاجمة سورية، ويعتبرون هذه الحملة «ذروة النفاق وازدواجية المعايير من جانب الادارة الاميركية».
وعبر أكثر من محاور إيراني عن ازدرائهم لهذا الموقف الاميركي، معيدين إلى الاذهان موقف إدارة الرئيس السابق رونالد ريغان أواخر الثمانينات حين التزمت الصمت إزاء ما قام به الرئيس العراقي السابق صدام حسين من استخدام الاسلحة الكيماوية ضد القوات الايرانية، وضد شعبه، بل إن الولايات المتحدة لم تكتف بالصمت، وإنما قدمت له المساعدة بالمعلومات الاستخبارية وتنسيق وتوجيه العمليات العسكرية، وزودته بالغاز لاستخدامه ضد الايرانيين. وطبقاً لصحيفة «طهران تايمز» فإن «مسؤولي الاستخبارات الاميركية وعملاءها قدموا مساعدات قيمة للجانب العراقي في رصد وتحديد مواقع القوات الايرانية، مع علمهم المسبق والمؤكد بأن صدام حسين سيستخدم ضدها الاسلحة الكيماوية، بما فيه غاز السارين».
وأشاع تصويت مجلس العموم البريطاني برفض مشاركة بريطانيا في توجيه ضربات عسكرية لسورية جواً من الارتياح والبهجة، ما عزز الثقة بذلك البرلمان. وعبر سائق سيارة أجرة إيراني عن أمله أن يحذو الكونغرس الأميركي حذو البرلمان البريطاني، وقال إن الايرانيين يعتبرون موقفه وتصويته انتصاراً لهم، فهم يعتقدون بان إيران تلعب دوراً بارزاً كأحد أعمدة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والتصدي لأهداف الهيمنة الأميركية الاسرائيلية في المنطقة، وقلة منهم يعتقدون أن الهجوم الاميركي على سورية لا يخدم تلك الاهداف. ولا شك في أن الانتخابات الرئاسية الايرانية الاخيرة جاءت لتكون علامة مشجعة على الاستقرار والديمقراطية في المنطقة، وترتب عليها علامات مشجعة، منها إبلاغ القيادة الايرانية لرئيس الوفد الاميركي الذي شارك في مؤتمر الارهاب الاقتصادي، جيفري فيلتمان، استعدادها للتعاون لإيجاد حل سلمي للازمة في سورية.
ويشير الباحث في جامعة برينستون حسين موسويان إلى ان التعاون الأميركي الإيراني في 2001 بشأن أفغانستان، أدى إلى إسقاط حكومة طالبان واندحارها مع تنظيم القاعدة، ويقول «يجب ألا يتوقف هذا التعاون عند سورية، فالشرق الاوسط يستحق إدارة جيدة لأزماته ولعنصر الوقت فيه. والتعاون لإدارة الازمة السورية وحلها سيكون تجسيداً جيداً لهذا التعاون»، كما يعتقد أن معظم الايرانيين والاميركيين يؤيدون مثل هذا التعاون، وأن هناك علامات مشجعة.
فرانكلين لامب - صحافي ومحلل سياسي أميركي