سورية.. وحدود المقارنة مع كوسوفو
نظرا إلى أن العديد من الخطط الحربية لا تنطبق على واقع الحرب ذاتها، فإن كل حرب تعتبر عالما وحده، وبناء عليه فإن المقارنات مع الحروب السابقة، وإن كانت مفيدة، إلا انها تظل تحوي نوعا من الوهم. وكان أحد الافتراضات العديدة الخاطئة، بشأن حرب الخليج الثانية قبل بدايتها، يفيد بأنها ستكون مثل حرب الخليج الاولى، حيث عانى المتشائمون خيبة الامل، نتيجة سهولة تحقيق النصر في الاولى. وفي واقع الامر اتضح أن حرب الخليج الثانية، مختلفة من نواحٍ عدة، إذ ثبت الان أن المتشائمين على حق. ولهذا فإن إحجام وسائل الاعلام، أخيرا عن المقارنة بين العمليات العسكرية في سورية، مع مثيلتها في كوسوفو عام 1999، أمر يثير القلق.
يوجد في سورية عدد من السكان يعادل ١٠ أضعاف ما كان موجودا في كوسوفو عام 1999. ونظرا إلى أن كل شيء في سورية أكبر بكثير من كوسوفو، فإن فرض النتيجة بالوسائل العسكرية، يمكن أن يكون أكثر صعوبة. وقد عانت كوسوفو الكثير من العنف والاضطهاد على يد زعيم الصرب سلوبودان ميلوسيفيتش، وقابلت ذلك حركة انفصالية بسيطة من قبل جيش تحرير كوسوفو. وانتشر العنف ولكن ليس إلى الحالة التي وصلت اليها سورية، التي أصبحت تعاني الان من حرب أهلية شاملة، وكانت عملية الاطاحة بميلوسوفيتش تنطوي على مخاطر أقل بكثير مما عليه الحال في عملية الاطاحة بالنظام السوري. وكانت كوسوفو واقعة ضمن جنوب منطقة البلقان، مع وجود فرصة محدودة نسبيا لانتشار الحرب الى البلاد المجاورة، ولكن الحرب الطائفية الشاملة في سورية تهدد بزعزعة الاستقرار في منطقة أكبر.
وربما يرى البعض أن جيش تحرير كوسوفو كان حفنة منحطة من المجرمين و القتلة، ولكنه لم يكن يشكل تهديدا للولايات المتحدة مثل الجهاديين الاسلاميين العالميين، الذين يعملون الان في سورية. ولذلك فإن مخاطر ايصال جيش تحرير كوسوفو الى السلطة، بالنسبة للرئيس السابق بيل كلينتون كانت أقل بكثير، مما هي عليه الحال بالنسبة للرئيس باراك أوباما، الذي ربما يقوم بمساعدة نظام جهادي سني للوصول الى الحكم. ولم يكن لدى كوسوفو أسلحة كيماوية متطورة منتشرة على جميع أراضيها، كما هي الحال في سورية، إذ تقترن مع ذلك كل اشكال القلق العسكري واللوجستي، التي تصاحب محاولة تدميرها.ولم يكن في حرب كوسوفو عقبة مواجهة روسيا القوية التي كانت تترنح في ذلك الوقت نتيجة حكم الرئيس السابق بوريس يلتسين العاجز، والفوضوي. ولكن ربما يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كل ما بوسعه ليقوض الهجمات الاميركية، على الرغم من أنه يمكن القول إن خيارات بوتين في سورية محدودة جدا، في حالة لجوء الرئيس اوباما الى توجيه ضربة عسكرية الى دمشق. ولكن بوتين يمكنه أن يقترب أكثر الى ايران، عن طريق إلغاء العقوبات على طهران، وأن يزيد الدبلوماسية المناهضة للولايات المتحدة في العالم، بصورة أكثر فاعلية من يلتسين. وبالطبع فإن ايران لم تكن منخرطة في حرب كوسوفو، كما هي الحال الان في سورية، إذ إنها تعتبر انهيار النظام السوري أو إضعافه أمراً يضر بمصالحها. وكانت الحرب في كوسوفو قد ألحقت بالمدنيين الصرب آلاماً كبيرة من خلال الغارات الجوية، ولكن الشعب السوري يعاني الان جراء الحرب الوحشية التي تشن عليه منذ أكثر من عامين. ومن غير المعروف ما اذا كانت الضربات الجوية ستسبب آلاما نفسية أكثر للسوريين، سواء الذين مازالوا موالين للنظام او غير مبالين به. وبالطبع فإن إدارة أوباما ستحاول تقنين جهدها العسكري، على نحو يجعلها تتجنب مزيدا من فوضى الجهاديين في سورية. ولكن حتى مع وجود قوتها النارية الرهيبة، فإنه ليس من الضروري أن تصبح في موقع السيطرة.
روبرت كابلان كاتب في ستراتفور