بوتين‭: ‬من‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬والسليم‭ ‬أن‭ ‬تدعم‭ ‬أميركا‭ ‬المعارضة‭ ‬الروسية‭.‬ ‭ ‬رويترز

ضعف‭ ‬المعارضة‭ ‬الروسية‭ ‬يمنح‭ ‬بوتين‭ ‬صلاحيات‭ ‬مطلقة

خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬سقوط‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬السابق‭ ‬حسني‭ ‬مبارك‭ ‬ونظامه،‭ ‬تزايد‭ ‬حديث‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬وبعض‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عن‭ ‬إمكان‭ ‬حدوث‭ ‬خطوة‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬ضد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬الذي‭ ‬يصفه‭ ‬بعض‭ ‬قادة‭ ‬المعارضة‭ ‬بأنه‭ ‬ديكتاتور‭. ‬
ويشعر‭ ‬الجيل‭ ‬الروسي‭ ‬الجديد‭ ‬بأن‭ ‬بلاده‭  ‬تعاني‭ ‬ركوداً‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬وبأن‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬فيها‭ ‬تراوح‭ ‬مكانها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬فوز‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أثار‭ ‬مشاعر‭ ‬غاضبة‭  ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬لبثوا‭ ‬أن‭ ‬نزلوا‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع،‭ ‬ليعبروا‭ ‬عن‭ ‬غضبهم‭ ‬العارم‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭.‬
وكانت‭ ‬هذه‭ ‬التظاهرات‭ ‬الأكبر‭ ‬والأقوى‭ ‬منذ‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬إذ‭ ‬طالب‭ ‬المشاركون‭ ‬فيها‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬برحيل‭ ‬بوتين،‭ ‬ورفعوا‭ ‬لافتات‭ ‬وشعارات‭ ‬تندد‭ ‬بسياساته،‭ ‬وطريقة‭ ‬إدارته‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭. ‬
واجتذبت‭ ‬قضية‭ ‬اعتقال‭ ‬المعارض‭ ‬اليكسي‭ ‬نافالني،‭ ‬والحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬لمدة‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام،‭ ‬اهتمام‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الروس‭ ‬ومن‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬المحلية‭ ‬والعالمية‭. ‬ولطالما‭ ‬وصف‭ ‬نافالني‭ ‬حكومة‭ ‬بوتين‭ ‬بأنها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المحتالين‭ ‬واللصوص،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬شعار‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭. ‬
ولا‭ ‬يعتبر‭ ‬نافالني‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العهد‭ ‬السوفييتي‭ ‬شخصا‭ ‬مثاليا‭ ‬لقيادة‭ ‬المعارضة‭ ‬الروسية،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬كـ«شهيد‮»‬،‭ ‬يضحي‭ ‬بحياته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيمانه‭ ‬بهدف‭ ‬نبيل،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬دفع‭ ‬أحدهم‭ ‬إلى‭ ‬مقارنته‭ ‬بزعيم‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬معروف‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬الروس‭. ‬
وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬على‭  ‬نافالني‭ ‬بالسجن‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬فساد‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬ثم‭ ‬إدانته‭ ‬بتهمة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تهمته‭ ‬الرئيسة‭ ‬والحقيقية‭ ‬هي‭ ‬نديته‭ ‬لبوتين‭ ‬ومعارضته‭ ‬القوية‭ ‬له‭. ‬
وردد‭ ‬معارضون‭ ‬مؤيدون‭ ‬لنافالني‭ ‬عقب‭ ‬صدور‭ ‬الحكم‭ ‬عليه،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬محاكم‭ ‬كيروف،‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬موسكو،‭ ‬هتافات‭ ‬غاضبة‭ ‬تصف‭ ‬بوتين‭ ‬بالمستبد‭ ‬والقمعي‭ ‬والمثير‭ ‬للغضب‭ ‬والاشمئزاز‭. ‬وسبق‭ ‬ذلك‭ ‬طلب‭ ‬المدعين‭ ‬العامين‭ ‬للدولة‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬توقيع‭ ‬عقوبة‭ ‬السجن‭ ‬ستة‭ ‬أعوام‭ ‬على‭ ‬نافالني،‭ ‬بتهمة‭ ‬التخطيط‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬494‭ ‬ألف‭ ‬دولار،‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬شركات‭ ‬الأخشاب،‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬مستشارا‭ ‬لحاكم‭ ‬كيروف‭ ‬في‭ ‬2009‭. ‬وبكل‭ ‬بساطة‭ ‬يعني‭ ‬الحكم‭ ‬الصادر‭ ‬على‭ ‬نافالني‭ ‬بالسجن‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الروسية‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬2018،‭ ‬أو‭ ‬انتخابات‭ ‬عمدة‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬المقبل‭.   ‬وكعادتها‭ ‬سارعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ودول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬إلى‭ ‬انتقاد‭ ‬الحكم‭ ‬الصادر‭ ‬ضد‭ ‬نافالني،‭ ‬قائلة‭ ‬إنه‭ ‬يثير‭ ‬شكوكا‭ ‬وتساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تطبيق‭ ‬حكم‭ ‬القانون،‭ ‬وطريقة‭ ‬معاملة‭ ‬بوتين‭ ‬لخصومه‭ ‬ومعارضيه،‭ ‬ويكرس‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬القمع،‭ ‬ويعيد‭ ‬إلى‭ ‬الاذهان‭ ‬المحاكمات‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬السياسية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الزعيم‭ ‬السوفييتي‭ ‬الحديدي‭ ‬الاسبق‭ ‬جوزيف‭ ‬ستالين‭.‬
وفي‭ ‬رسالته‭ ‬الأخيرة،‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬وصف‭ ‬نافالني‭ ‬37‭ )‬عاما‭ ( ‬بوتين‭ ‬بـ«الضفدع‭ ‬‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬أساء‭ ‬استخدام‭ ‬العوائد‭ ‬الضخمة‭ ‬للنفط‭ ‬الروسي‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬وحث‭ ‬أنصاره‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬حملته‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬بوتين‭. ‬
وقال‭ ‬محللون‭ ‬إن‭ ‬التأييد‭ ‬الشعبي‭ ‬لنافالني‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الروسية‭ ‬الكبيرة‭  ‬بدا‭ ‬محدودا،‭ ‬لأن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الروس‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬فيه‭ ‬الشخصية‭ ‬المناسبة‭ ‬أو‭ ‬المثالية‭ ‬لقيادة‭ ‬المعارضة،‭ ‬وتوحيد‭ ‬صفوفها‭ ‬ضد‭ ‬بوتين،‭ ‬الذي‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬مؤيديه‭ ‬في‭ ‬موسكو‭% ‬63‭‬،‭ ‬خلال‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭. ‬
ورفض‭ ‬نافالني‭ ‬الاتهامات‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه،‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬دوافع‭ ‬سياسية‭ ‬تقف‭ ‬وراءها،‭ ‬وإن‭ ‬السلطات‭ ‬تمارس‭ ‬الاحتيال‭ ‬والتضليل‭ ‬والالتفاف‭ ‬على‭ ‬القوانين،‭ ‬واتهم‭ ‬بوتين‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬قرار‭ ‬الادانة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬سيرغي‭ ‬اودالتسوف،‭ ‬أحد‭ ‬قادة‭ ‬التظاهرات‭ ‬والاحتجاجات،‭ ‬يقبع‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال‭ ‬المنزلي،‭ ‬حيث‭ ‬تمنعه‭ ‬السلطات‭ ‬من‭ ‬المغادرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تصفه‭ ‬المعارضة،‭ ‬بأنه‭ ‬اعتداء‭ ‬سافر‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬المواطن‭ ‬وحقوقه‭. ‬وقال‭ ‬بوريس‭ ‬نيمستوف‭ ‬السياسي‭ ‬المعارض‭ ‬لبوتين‭ ‬‮«‬أصبت‭ ‬بالصدمة‭ ‬لما‭ ‬حدث،‭ ‬وأن‭ ‬بوتين‭ ‬قال‭ ‬للعالم‭ ‬إنه‭ ‬ديكتاتور‭ ‬يرسل‭ ‬معارضيه‭ ‬السياسيين‭ ‬إلى‭ ‬السجون‮»‬‭. ‬وقال‭ ‬المستثمر‭ ‬البريطاني،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وليام‭ ‬براودر،‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لنافالني‭ ‬يذكّره‭ ‬بالمحاكمات‭ ‬السياسية،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬1937‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ستالين‭ ‬‮«‬وأشعر‭ ‬بأن‭ ‬المشهد‭ ‬يتكرر‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬جانبه،‭ ‬قال‭ ‬بوتين‭ ‬إنه‭ ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬خلافات‭ ‬إيديولوجية‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬والسليم‭ ‬أن‭ ‬تدعم‭ ‬الأخيرة‭ ‬المعارضة‭ ‬الروسية،‭ ‬وأن‭ ‬تتعاون‭ ‬البعثة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬معها‭ ‬بفاعلية‭. ‬
وأضاف‭ ‬أنه‭ ‬حال‭ ‬تصرفت‭ ‬القوى‭ ‬المعارضة‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬القانون،‭  ‬فمن‭ ‬واجب‭ ‬الدولة،‭ ‬وحرصا‭ ‬على‭ ‬مصلحة‭ ‬الأغلبية‭ ‬استخدام‭ ‬الوسائل‭ ‬الشرعية،‭ ‬لإعادة‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬إلى‭ ‬المسار‭ ‬القانوني،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬ولكن‭ ‬الاميركيين‭ ‬ينتقدون‭ ‬الروس‭ ‬حينما‭ ‬يتصرفون‭ ‬ويتخذون‭ ‬الاجراءات‭ ‬المناسبة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعتبر‭ ‬معايير‭ ‬مزدوجة‭. ‬
ولم‭ ‬يخف‭ ‬نافالني‭ ‬الاشقر‭ ‬الطويل‭ ‬القامة‭ ‬وذو‭ ‬العينين‭ ‬الزرقاوين،‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الحقوق‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬التسعينات‭ ‬طموحه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬رئيسا‭ ‬لروسيا،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬أي‭ ‬حكم‭  ‬يصدر‭ ‬ضده،‭ ‬وكما‭ ‬نشط‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬يابلوكو‮»‬‭ ‬الليبرالي‭ ‬المعارض‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يطرد‭ ‬منه‭ ‬لمواقفه‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬القومية،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬كرس‭ ‬جهوده‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة‭ ‬للهجوم‭ ‬على‭  ‬مظاهر‭ ‬الفساد،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬روسيا،‭ ‬مطالبا‭ ‬بالشفافية‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬والشركات‭.‬
وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬حملة‭ ‬نافالني‭ ‬ضد‭ ‬الفساد،‭ ‬أطلقت‭ ‬السلطات‭ ‬الروسية‭ ‬حملة‭ ‬مضادة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬موظفي‭ ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬لم‭ ‬تقنع‭ ‬المعارضة‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭. ‬



 

الأكثر مشاركة