أوباما حث عباس على إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل من دون شروط مسبقة. غيتي

أوباما يبيع الفلسطينيين الكلام الفارغ فقط

يتساءل المرء أحياناً متى تتوقف الترهات التي يطلقها المسؤولون الأميركيون. وفي أقل من خمسة أشهر على انتصاره على خصومه في الانتخابات الأخيرة قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما الذهاب إلى الشرق الأوسط للرقص على أنغام قائد محرك الدمى، وهي إسرائيل، وبينما كان هناك لم ينسَ أن يلقي بعض الفتات التافهة للفلسطينيين.

وكرر أوباما دعم الولايات المتحدة لأمن اسرائيل، وكأن هذه الدولة هشة وضعيفة، ومحاطة بأعداء أقوياء. ولطالما كانت اسرائيل تحصل على كميات كبيرة من المساعدات الأميركية السخية، والتي تصل الى نحو ثمانية ملايين ونصف المليون دولار يومياً من المساعدات العسكرية فقط، والتي بلغت في عام ‬2013 نحو ‬3102 مليون دولار. ويمكن مقارنة هذه المساعدات بما تقدمه الولايات المتحدة للفلسطينيين.

وقال أوباما عند اجتماعه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس: «يستحق الفلسطينيون أملاً مشرقاً، ويستحقون دولة خاصة بهم». إنها كلمات براقة فعلاً، ولكنها مثل معظم كلام أوباما فهي عديمة المعنى «ولا تخرج من قلبه». ومرة أخرى حث على إجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين من دون شروط مسبقة.

وجرت الاشارة دوما إلى أن اسرائيل لا ترغب في المفاوضات. وعادة ما تجري المفاوضات الحقيقية بين طرفين فقط، وكل منهما لديه شيء يريده الاخر، ويتعين على كل منهما ان يتنازل عن شيء، كي يحصل على ما يريده من الطرف الآخر. وإسرائيل حرة في الحصول على ما تريد من الفلسطينيين من دون أن يترتب على ذلك أية نتائج. وتقوم إسرائيل باعتقال الفلسطينيين بصورة يومية وتسجنهم الى أجل غير مسمى من دون توجيه اية تهم لهم. ولا يبدي المجتمع الدولي والولايات المتحدة بالذات اية احتجاجات إزاء ذلك. ويتعرض السجناء الفلسطينيون في السجون الاسرائيلية للتعذيب، ولا يكون رد المجتمع الدولي بما فيه جماعات حقوق الانسان، والولايات المتحدة إلا الصمت المطبق. وتسيطر اسرائيل على الحدود الفلسطينية منتهكة العديد من قرارات الامم المتحدة، بما فيها الارض والجو والبحر. وهناك المئات من نقاط التفتيش، ونقاط إغلاق الطرق العشوائية، والتي تم إنشاؤها «لمنع الارهابيين الفلسطينيين» من تهديد «إسرائيل الضعيفة»، حسب الاسطورة الاسرائيلية، وبالتالي فإنها تجبر الفلسطينيين على السفر لساعات من أجل الوصول الى أراضيهم التي يعملون بها، والتي لا تتطلب في الوضع الطبيعي أكثر من بضع دقائق مشياً على الاقدام، وغالبا ما ينتظر الفلسطينيون الذين يحتاجون الى المساعدة الطبية الطارئة من اسرائيل، وغير الموجودة أصلاً في الاراضي الفلسطينية، إلى بضع ساعات عند نقاط التفتيش من دون أي سبب سوى غطرسة وقسوة قوات الجيش الاسرائيلي.

وهذا الانتظار مجحف وظالم، بما فيه انتظار النساء في حالة المخاض، حيث ينجم عن ذلك ولادات عند نقاط التفتيش. وخلال السنوات القليلة الماضية توفي ‬70 طفلاً فلسطينياً على الاقل عند نقاط التفتيش، نظراً لعدم سماح جنود الجيش الاسرائيلي بالحصول على الرعاية المطلوبة.

وتقوم اسرائيل بإنشاء طرق حديثة في الاراضي الفلسطينية، لكنها لا تسمح للفلسطينيين باستخدامها.

واذا تقاطع شارع اسرائيلي جديد مع شارع فلسطيني لا يستطيع الفلسطينيون العبور عند التقاطع. وغالبا ما يتم ايقاف الفلاحين الفلسطينيين الذين يجلبون محصولهم الى الاسواق عند نقاط التفتيش، ويجبرون على الانتظار أياماً عدة حتى يفسد انتاجهم.

وهذه هي الدولة التي يريد السيد أوباما من الفلسطينيين التفاوض معها، من دون شروط مسبقة. وما النتيجة التي يمكن التوصل اليها من خلال ذلك إلا أن ينظر البعض، وعددهم متناقص باستمرار ومعظمهم من أعضاء الكونغرس الاميركي الذي تسيطر عليه لجنة العلاقات الاميركية الاسرائيلية (ايباك)، على أن اسرائيل تتصرف بنية طيبة.

وخلال السنوات القليلة الماضية كانت فلسطين هدفاً لغضب العديد من أعضاء الكونغرس الاميركي. ولطالما هددت فلسطين بجميع أشكال العقوبات، بما فيها الغاء جميع المساعدات (وجميعها غير عسكرية) التي تقدمها الولايات المتحدة، ولكن ما الذي فعلته فلسطين لتستحق كل هذا الغضب. وهناك أمران لا تستطيع الولايات المتحدة ببساطة الموافقة عليهما وهما:

أولاً: تقديم فلسطين طلب العضوية، وفوزها في منظمة الأمم المتحدة، للثقافة والعلوم (اليونسكو)، إذ فازت بموافقة ‬107 دول ومعارضة ‬14 دولة، ولم تنجُ الامم المتحدة من العقوبة، إذ عمدت الولايات المتحدة الى سحب جميع تمويلها لليونسكو، الذي تعادل قيمته ‬22٪ من ميزانية المنظمة.

ثانياً: في نوفمبر ‬2012 قدمت فلسطين طلبا للجمعية العمومية للأمم المتحدة لتحويل وضعها إلى دولة مراقب غير عضو، وفازت بدعم ‬138 دولة مقابل معارضة تسع دول، وعندها اقترح الكونغرس الاميركي قطع جميع المساعدات المقدمة لفلسطين إذا رفعت فلسطين دعوة ضد اسرائيل في محكمة الجزاء الدولية، وطرد ممثل فلسطين من واشنطن العاصمة اذا لم تنخرط فلسطين في مفاوضات «ذات معنى» مع اسرائيل. وقال السيناتور ليندسي غراهام: «لن نستخدم أموال دافعي الضرائب الاميركيين لدعم دولة فلسطينية هدفها الرئيس تقديم شكوى ضد اسرائيل في محكمة الجزاء الدولية لتهميش اسرائيل، وليس العيش في سلام مع الاسرائيليين». لماذا يعتقد هذا الرجل أن هدف الفلسطينيين هو تهميش اسرائيل، وليس الحصول على تعويضات عن الجرائم المرعبة التي ارتكبتها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

ولكن متى ستتوقف الولايات المتحدة عن دعم حقوق الانسان بالكلام فقط، وتبدأ باتخاذ خطوات عملية؟ يبدو أن من يعتقد أن الولايات المتحدة ستتخذ مثل هذه الخطوات العملية هو في حقيقة الأمر شخص ساذج، لأن ذلك يتطلب الشجاعة، وبراعة رجال الدولة، وهو الأمر الذي لا يعرفه رجال السياسة الاميركيون المنتخبون. وهذا يعني الوقوف في وجه جماعات المصالح القوية وقول الحقائق، والنظر الى الحقائق عبر منظار لا تلونه اموال اللوبيات.

روبرت فانتينا  كاتب أميركي

 

الأكثر مشاركة