الحرب لن تنجح في إعادة السلام إلى منــطقة الساحل
رؤية (رئيس الوزراء البريطاني)، ديفيد كاميرون، المتمثلة في تأجيج حرب طويلة الأمد لـ«مناهضة الإرهاب» في شمال افريقيا، تبدو لكل من يهتم بأمر المنطقة عبارة عن نكبات مقبلة، ذلك لأن مشكلة منطقة الساحل مع الإرهاب تعود إلى ما قبل عام 2003، إلا أن الحرب العالمية على الإرهاب التي شنها الغرب أظهرت هذه المشكلة على السطح، وفاقمتها الجهود الغربية الرامية لتدمير نظام (الزعيم الليبي الراحل) معمر القذافي، وقرار فرنسا المضي قدماً في حرب أخرى في مالي.
ظهر في عام 2003 تغييران جذريان، أولهما إطلاق واشنطن «مبادرة عموم الساحل»، التي أعيدت تسميتها أخيراً بـ«مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء»، وثانيهما ظهور فرع من «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي هاجرت من شمال شرق الجزائر إلى أقصى جنوب الصحراء الجزائرية، معلنة مع وصولها الى هناك اختطاف 32 سائحاً أوروبياً في ذلك العام.
هذه التطورات مترابطة مع بعضها البعض، فمع سعيها لإقحام نفسها في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، تخطت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) المجال التقليدي لنفوذ فرنسا. إلا ان مشاركة الجزائر في مبادرة عموم الساحل، جعلت من السهل تنفيذ هذه المبادرة.
أيدت الجزائر دعوة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، لمحاربة الإرهاب إثر هجمات 11 سبتمبر 2001، وكان أحد الأسباب الذي دعاها الى ذلك خشيتها أن تكون في القائمة السوداء الأميركية مثلها مثل العراق، إلا أن الجزائر وجدت هذه الحرب أيضاً فرصة لاستئناف علاقات طبيعية مع شركائها الغربيين، بعد المقاطعة الفرنسية التي تسبب فيها هجوم إرهابي عام 1994 على رحلة من رحلات الخطوط الجوية الفرنسية.
والى وقت قريب لم يكن هناك اثر «للإرهابيين» في المنطقة، الى أن ظهرت الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وربما كان السبب في هجرة هذه الجماعة الى ذلك المكان هو الضغوط التي كانت تمارسها عليها أجهزة الاستخبارات الجزائرية، فقد ظل العصيان الإسلامي المسلح مستمراً منذ 11 عاماً من دون ان يمتد إلى الجنوب، ولهذا لم تكن هناك «عمليات إرهابية» في منطقة الصحراء الجزائرية، حيث ان الصحارى عادة ما تشكل تضاريس غير ملائمة لحرب العصابات، وتوفر حداً أدنى من الدعم الشعبي، والقليل من الأهداف، وغطاء ضعيفاً للقوات.
وتجلت هذه الحقيقة لدى القبض على زعيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، عماري صايفي، في شمال تشاد عام 2004.
وفي ما بعد أطلقت الجماعة السلفية للدعوة والقتال على نفسها عام 2007 اسم «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، لتصبح مصدر إزعاج مستمر، وليست تهديداً خطيراً لأي دولة في المنطقة، ناهيك عن أوروبا.
وفي تقريرها لعام 2005 أوضحت مجموعة الأزمات الدولية أن «منطقة الساحل لا تشكل بؤرة مشتعلة للنشاط الإرهابي»، لكنها حذرت في التقرير نفسه، من «احتمال ظهور نهج خاطئ يمكن ان يرجح كفة الميزان في اتجاه آخر».
وفي تقريرها بتاريخ يونيو 2011، حذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن نتائج الهجوم الغربي على ليبيا «يمكن أن تكون له آثار سياسية وأمنية خطيرة على جيرانها»، وهذا ما حدث بالفعل بعد الإطاحة بالقذافي بدعم من الغرب في وقت لاحق من ذلك العام.
وقد ساعد الهجوم الغربي على ليبيا على تفتيت التحالف المناهض لـ«الجهاديين» في شمال إفريقيا، وتشجيع الميليشيات الإسلامية، وأغرق المنطقة في طوفان من الأسلحة المتطورة، وساعد الطوارق الساخطين الانفصاليين على العودة إلى شمال مالي واعلان حركتهم «صوت الحركة الوطنية لتحرير أزواد» انفصالها عن الشمال.
وإذا كان هناك أي مؤسسة فكرية استطاعت أن تتوقع تأثير التدخل الغربي في ليبيا، فربما كانت الحكومة الفرنسية، وقد تدخلت بالتأكيد هناك. وإن باريس جنباً الى جنب لندن وواشنطن تتحمل وزر كل هذه الفوضى الحالية في مالي.
وكان رد فعل فرنسا هو اقتراحها للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا حشد 3300 جندي لتعزيز 5000 جندي من الجيش المالي لتطهير شمال البلاد. وهذه منطقة مترامية الأطراف مقسمة بين الطوارق، السونغاي، والعرب، والفولاني وكذلك الحركات الانفصالية المنافسة، والإسلاميين، ولا يمكن إعادتها بهذه الوسيلة تحت سيطرة باماكو.
الجزائر، الجار المباشر ـ على عكس نيجيريا والسنغال والمغرب ـ لها مصالح في ما يتمخض من نتائج، ولهذا فإنها سعت إلى إيجاد حل سياسي، وبدا لبعض الوقت أنها استطاعت اقناع جماعة «أنصار الدين»، فضلاً عن جهات اخرى معنية بهذا الشأن، للموافقة على هذه الجهود، الا انها اكتشفت ان جهودها لم تسفر عن شيء، ربما بسبب التأثير الكبير للدبلوماسية.
يجب استئناف المفاوضات بين باماكو، و«أنصار الدين»، و«صوت الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، من اجل الوصول الى تسوية مؤقتة جديدة عاجلاً أو آجلا.
قد تكون باريس على استعداد لوضع تصور لهذه القضية بعد التوصل الى تهدئة الإسلاميين عسكرياً، ويبدو أن لندن وواشنطن، مع ذلك، مصممتان على استبعاد هذا المقترح، وتضغطان على الجزائر للتخلي عن رفضها، منذ فترة طويلة، التدخل العسكري في بلدان أخرى.
ويبدو أن الهدف من ذلك هو توريط الجزائر في سياسة قد تكون مدمرة لها، وذات عواقب وخيمة في الوقت نفسه على مالي والمنطقة أجمع.
هيو روبرتس أستاذ شؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط في جامعة توفتس