الدمشقيون ساخطون على العقوبات الغربية

دعانا صاحبنا فيكتور الروسي إلى تلبية دعوته على الغداء في مطعم «ست الشام» للطبقة المتوسطة في ضاحية شعلان في دمشق، وحين دخلنا وجدنا شيخاً وعضواً في مجلس الشعب السوري، ويبدو ان هذا الأخير بعد ان رفع هاتفه المتحرك عن اذنه بدت عليه علامات الغضب، اذ انه سمع على ما يبدو أخباراً ليست سارة. ومما اغضب فيكتور التصريحات الحديثة للناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، فيكتوريا نولاند، المناهضة لروسيا الحليف القوى والوثيق لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، التي اعتبرها فيكتور جريئة الى حد الوقاحة في اساءة تفسير وتأويل تصريحات المبعوث الروسي للشرق الاوسط، ميخائيل بوغدانوف، الذي قال قبل ايام «يجب ان ينظر المرء بدقة وتمعن الى الحقائق والوقائع الماثلة امامه وللأسف فإنه لا يمكن استبعاد احتمال فوز المعارضة السورية، فالحكومة السورية تفقد شيئاً فشيئاً سيطرتها على المزيد من المناطق»، وفسر تأويل نولاند لتصريحات بوغدانوف بصورة اثارت غضب بوغدانوف نفسه واعضاء السفارة الروسية في دمشق، لما هو معروف عن نولاند من مواقف موالية للصهيونية، ومتحاملة على التحالف الروسي السوري، والأفكار والتوجهات العربية والإسلامية، حيث تقول «نريد نحن الأميركيين ان نشيد بالحكومة الروسية لصحوتها وتنبهها الى الحقيقة والاعتراف بأن ايام نظام الرئيس الأسد اصبحت معدودة.

كما اشار فيكتور الى أن بوغدانوف لم يقل شيئاً جديداً من الناحية الفعلية، وان الروس سيصدرون توضيحاً بهذا الشأن في اقرب وقت ممكن، والجميع يعرف من الناحية النظرية ان الثوار المدعومين من الخارج قد ينتصرون في نهاية المطاف، وهذا ليس جديداً، وهو احتمال وارد وقائم دائماً في الانتفاضات الشعبية، لكن نولاند تعرف يقيناً ان الحكومة السورية سحبت قواتها من بعض المناطق الريفية، التي تعتبر فضاء خالياً فسيحاً لتركيز وجودها لحماية التجمعات السكانية الكبيرة، وهذا جزء من أي استراتيجية عسكرية عبر التاريخ، ويسمى «التراجع الاستراتيجي او «اعادة الانتشار العسكري التكتيكي»، وانه من المذموم والمستنكر بالنسبة للإعلام الغربي وبعض الإعلام العربي ان يتم توظيف تصريحات مبعوثي الشرق الأوسط كصيغة ضمن حرب نفسية، كما يقول فيكتور الذي يضيف «بالطبع لدينا خطط طارئة لإجلاء رعايانا ومواطنينا الروس عند الضرورة». وهذا امر طبيعي بالنسبة لروسيا وغيرها من الدول، وتم تنفيذ خطط بهذا الشأن في افغانستان والعراق ولبنان وغيرها. وفي غضون ساعات قليلة اصدر الكسندر لوكاشيفيتش، الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية، الذي تربطه صداقة بفيكتور، بياناً قال فيه «نود ان نشير هنا الى ان بوغدانوف لم يدل بأي تصريحات او يجرِ أي مقابلات مع صحافيين في الأيام الأخيرة، ونؤكد مرة اخرى على الموقف المبدئي والثابت لروسيا بشأن نقص وضعف الجهود لإيجاد حلول بديلة للأزمة في سورية». وبعد البيان التوضيحي للوكاشيفيتش استبعد فيكتور ومن كان على طاولته في المطعم تصريحات اندريس فوغ راسموسن، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، عقب لقائه في بروكسل مع رئيس وزراء هولندا، التي قال فيها «اعتقد ان المسألة اصبحت مجرد مسألة وقت» وقللوا من اهميتها. ومن جانبه علق رئيس الوزراء السوري ان تصريحات راسموسن تفتقد الصدقية بعد كل ما سرده من اكاذيب عن دور حلف الناتو في ليبيا، وكيف ان ‬9000 غارة جوية أسهمت في حماية المدنيين والتجمعات السكانية، مشيرا الى ان الجميع كان يعلم يقيناً حقيقة ان اكبر خطر كان يتهدد الشعب الليبي هو حلف الناتو وان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان مقررا ان يجتمع مع نظيره الاميركي باراك اوباما، ندد بخديعة اميركا والناتو لروسيا والمجتمع الدولي بما قاما به في ليبيا. وابلغنا فيكتور ان خديعة مماثلة في سورية تبدو قريبة وفي متناول اليد. ويبدو اهالي العاصمة السورية دمشق متوترين وغاضبين، ليس بسبب المواجهات وحدها او ممارسات قوات النظام او الثوار وانما من مجمل معطيات الأزمة في وسورية. وكانت لي لقاءات مع طلبة الجامعات ومثقفين تبين لي من المناقشات فيها ان بشار الاسد مازال يحظى بتأييد الأغلبية التي تقبل باقتراحات جنيف في ابريل الماضي التي تنص على تشكيل حكومة سورية انتقالية تنبثق عن حوار وطني شامل تمهد الطريق لإجراء انتخابات في ‬2014. ويمثل موقف الدمشقيين ذروة قلق الشعب السوري ولاسيما الطلاب من آثار العقوبات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ضد سورية، ويعتبرونها غير شرعية وغير اخلاقية. وتقول طالبة جامعية اكتفت بأن اسمها تمارا ان طلبة الجامعات مستهدفون بالاختطاف لطلب الفدية ومصادرة سياراتهم ما يخلق اضرارا تتعلق بانتظامهم في العملية التعليمية، مشيرة الى ان ما ينطبق على الجامعات يسري ايضا على المدارس. واجرى احدهم فضل عدم الكشف عن اسمه وهويته ومهنته استطلاعاً للرأي بين طلبة الجامعات حول آثار العقوبات التي تقودها اميركا على مجمل الشعب السوري، إذ أجمع كل المشاركين ان الهدف الأول من هذه العقوبات محاولة واشنطن تغيير النظام عن طريق زيادة معاناة الشعب في سبيل الحصول على احتياجاته الأساسية من الغذاء، ولاسيما الخبز، الذي اصبح الحصول عليه مهمة صعبة للغاية من خلال قضاء وقت طويل في طوابير طويلة. ويعيد المشاركون في الاستطلاع الى الأذهان العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد ايران اعتقادا منها ان معاناة الشعب الايراني قد تحمل نظامه على التخلي عن برنامجه النووي. وأظهرت نتائج الاستطلاع في سورية ان نسبة البطالة تراوح بين ‬40٪ و‬60٪ من الدمشقيين معدل الزيادة في أسعار اللحوم منذ مايو ‬2011 وحتى ديسمبر الجاري، من ‬500 ليرة للكيلوغرام الواحد الى ‬750، والدجاج من ‬200 ليرة الى ‬450، والخبز من ‬20 الى ‬55 ليرة للحزمة الواحدة من ‬10 ارغفة في دمشق، ولكن ‬220 ليرة في حلب وحمص وحماة حيث تتفاقم ازمة انسانية كبيرة وبسرعة. وفي اكثر من مكان في دمشق ترتفع لافتات ضخمة تقول «لن نغفر ولن نسامح ولن ننسى الحملة الأميركية لتجويعنا وتركيعنا».

فرانكلين لامب  كاتب ومحلل صحافي أميركي

 

الأكثر مشاركة