مجلس الآثار وصف ما حدث في تمبكتو بـ«الجريمة ضد الإنسانية». أرشيفية

«القاعدة» يدمّر باسم الدين تراثاً إسلامياً في تمبكتو

غزا الجهاديون مدينة تمبكتو الصحراوية في مالي وأخذوا في تدمير القباب الأثرية، ويخشى كثير من المهتمين بالشأن الثقافي الانساني من أن تصبح الضحية التالية هي المكتبات التي تحوي كتباً ومخطوطات ونصوصاً نادرة، وتتعرض تلك المخطوطات النادرة للدمار على ايدي ميليشيات «أنصار الدين» التي ترفع علم «القاعدة» الاسود.

ويؤكد البعض أن الناس بكوا في الطريق الاسبوع الماضي عندما بدأ المتشددون في هدم قباب وأضرحة رجال الدين المسلمين بعد ان وصفوها بالأوثان.

واكتسح «أنصار الدين» شمال مالي عبر الصحراء عشية الانقلاب العسكري الذي تعرض له هذا البلد الافريقي، وهددت الجماعة بإقامة دولة إسلامية في تلك المنطقة، وبعد ان هربت قوات الحكومة من المدينة لجأ بعض سكان تمبكتو لحراسة المكتبات الأثرية في الوقت الذي تدفق الجهاديون عبر الشوارع، وأصدرت الامم المتحدة والباحثون الاكاديميون نداء عاجلاً من اجل حماية الارث الثقافي لمدينة تمبكتو التي كانت تعد ملتقى طرق تجارية في الصحراء افرزت كماً هائلاً من الموروث الادبي والثقافي والديني. ويوم السبت الماضي ناقشت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا نشر 5000 جندي من الدول المجاورة لقتال الميليشيات.

كانت تمبكتو مركزا للتعليم الاسلامي خلال القرنين الـ16 والـ،17 وواحدة من اكبر المناطق التي تحوي مجموعة من المخطوطات القديمة في افريقيا. ويقول مدير برنامج مخطوطات تمبكتو، شامل جابي «خلال تقدم الميليشيات في مارس الماضي لجأ العلماء وامناء المكتبات وجامعو الوثائق إلى اخفاء ما يستطيعون اخفاءه من تلك الثروة الثقافية»، ويضيف جابي، أن السكان وقفوا سداً منيعاً أمام ابواب معهد احمد بابا الذي يحوي أكثر من 20 ألف نص قديم.

وعندما سيطر الرجال الملتحون على المنطقة اصدروا أوامرهم للنساء بتغطية رؤوسهن وأمروا السكان بعدم زيارة قباب الاولياء، فقد وصفوا هذه الزيارة بـ«الحرام»، متبعين النهج الذي تسلكه «طالبان» في مثل هذه الاحوال، ومن يخالف هذه الاوامر يتعرض للجلد او القتل في بعض الاحيان.

وظل العالم غافلاً عما يحدث هناك حتى الاسبوع الماضي عندما ظهرت على اجهزة الفيديو أعمال الهدم التي تعرض لها باب أحد المساجد من القرن الـ.15

يقول جابي، الذي يعمل انطلاقاً من جامعة جوهانسبيرغ في جنوب افريقيا «أبدى الناس اهتماما ضئيلا لعقود من الزمن بما نقوم به من عمل، والوحيدون الذين ساعدوا على حماية الآثار هم المواطنون والباحثون، لكنهم ايضا اضطروا للهرب».

ويقول احد الباحثين في المعهد، أحمد دياغياتي، الذي هرب الشهر الماضي «استطاع بعض أمناء المكتبات تهريب عدد قليل من المخطوطات خارج المدينة، لكنهم تركوا وراءهم القطع الثمينة».

وتعتبر تمبكتو مقراً لعشرات المكتبات الخاصة التي تقوم برعايتها بعض الأسر لقرون من الزمان، ووفقاً لجابي ودياغياتي فإن الكثير منهم استطاع إخفاء الكنوز الاثرية قبل وصول الميليشيات، حيث قاموا بإخفائها في فجوات الحوائط أو في غرف تحت الأرض. وتم إخفاء اكثر من 8000 مخطوطة في صناديق، ومن ثم ترحيلها الى العاصمة باماكو.

وفي الاسبوع الماضي فقد فريق جابي الاتصال بأمين المكتبة الوحيد المتبقي في تمبكتو، الامر الذي يجعل مصير اكثر من 300 ألف مخطوطة اثرية مجهولاً من ضمنها مصحف بخط اليد من القرن الـ.13

وسيطرت الميليشيات على معهد أحمد بابا وتعرضت معظم محتوياته للنهب والتدمير من ضمنها أجهزة كمبيوتر تحتوي على بحوث وبيانات. ومنذ الهجوم على مباني تمبكتو المقدسة تكثفت الجهود من أجل اتخاذ عمل ما، فقد أعلنت محكمة الجنايات الدولية أن هدم المباني التاريخية يعتبر جريمة حرب وان الفاعلين ستطالهم يد العدالة. ووصفت منظمة الـ«يونيسكو» المسؤولة عن حماية المواقع الاثرية في العالم أعمال الهدم بالعمل البربري.

ويقول استاذ علم الآثار الافريقية بكلية لندن الجامعية، كيفن ماكدونالد، ان مأساة انسانية تدور جنباً الى جنب مع الدمار الثقافي في الوقت الذي ينفد الطعام عن أهالي تمبكتو وتنقطع خطوط الاتصال بهم. ووصف مجلس الآثار العالمي التدمير بأنه «جريمة ضد الانسانية».

وتم تنصيب دياونكوندا تراوري البالغ من العمر 70 عاماً، رئيساً مؤقتاً لمالي بعد الانقلاب العسكري هناك، ولم يعد الى بلاده بعد تلقيه العلاج في فرنسا إثر تعرضه لهجوم وضرب مبرح في مكتبه في مايو الماضي أفقده الوعي.

وثار قبائل الطوارق إثر الانقلاب بيد ان «أنصار الدين» طردوهم من المنطقة ويهددون بتدمير مزيد من المباني التاريخية في مدينة قاو. ووصف مدير القسم الافريقي باليونسكو، لازاري ازومو هذه الاعمال بأنها «أبشع الجرائم ضد التاريخ الثقافي الإفريقي في وقتنا الحاضر».

الأكثر مشاركة