3 أفكار لإنهاء الموقف الحرج فـي سورية
أصبحت سورية أرضاً للعنف والمآزق الخطرة، وصار جميع الأطراف يتنبأون بالمعجزات، تماماً كما كان يفعل العرافون في أثينا القديمة. قبل فترة ورد تقرير عن رجال الأعمال في دمشق وحلب، يشكون فيه نقص في جميع الإمدادات، وفي هذه اللحظة يغتنم مؤيدو استراتيجية العقوبات من مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» الفرصة ليطالبوا بالتريث قليلاً لكي تؤتي العقوبات أكلها. وفي الوقت الذي هدأ فيه العنف قليلاً ينادي مؤيدو خطة (مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية) كوفي أنان، الساعون الى حل سياسي، بالتأني الى أن يكتمل انتشار مراقبي الأمم المتحدة الـ300 على الأرض السورية.
وحيث ان (الرئيس السوري) بشار الأسد، استطاع ان يطرد المعارضة من بعض المدن، ينادي مؤيدوه بالانتظار قليلاً الى ان تضطر المعارضة إلى الجلوس على طاولة المساومات.
أما المراقبون الذين خبروا الحرب الأهلية، كالمراقبين اللبنانيين، فيعتقدون احتمال ان يظل الوضع الراهن كما هو.
| المسؤولية عن الحماية يتطلب منع الإبادة والفظائع الجماعية توزيع المسؤولية بين الدول المعنية والمجتمع الدولي، وتعزيز التعاون بينهما، ويقع واجب منع الإبادة الجماعية والفظائع ووقفهما على عاتق الدولة بالدرجة الأولى، ولكن يظل للمجتمع الدولي دور لا يجوز إلغاؤه على الرغم من ذريعة السيادة التي تتمسك بها الدولة المعنية. فالسيادة لم تعد توفر للدول حماية حصرية من التدخل الأجنبي، بل إن السيادة تعني أن تكون الدول مسؤولة عن رفاه شعوبها. وهذا المبدأ تكرسه المادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، ويتجسد في مبدأ «السيادة باعتبارها مسؤولية» وفي مفهوم المسؤولية عن الحماية. |
وفي الوقت نفسه يتدفق المقاتلون إلى سورية، كما فعلوا من قبل في افغانستان والعراق. ومع كل ذلك يتعرض الشباب المحتجون ـ الذين تعتقد الحكومة أنهم سيسرون في الشوارع من اجل الانتخابات الحرة والحرية خوفاً من النظام ـ إلى الرصاص الحي والاعتقال والتغييب.
وكثير من الحلول المحتملة تتم مناقشتها ورفضها مرات ومرات: هل الحل في تشكيل منطقة عازلة على الحدود المشتركة مع تركيا؟، ولكن تركيا غير مستعدة لإرسال جنودها إلى داخل سورية، ام أن الحل يكمن في تسليح المعارضة؟ إذ تتدفق بعض الأسلحة داخل البلاد، ولكن يبدو ان السعودية وقطر المؤيدتين لهذا الاتجاه غير مستعدتين، او ربما غير قادرتين على توفير الأسلحة الكافية والموارد العسكرية للتغيير المنشود، أم أن الحل في الضغط على روسيا لتضغط بدورها على الأسد لإيقاف القتل والمجيء إلى طاولة المفاوضات؟
ويبدو ان الاستراتيجية الروسية تتمثل في انتظار خطة أنان حتى تتعثر واغتنام الثقل الدولي الذي سيتمخض عن ذلك والذي سيصب في مصلحة الأسد.
نبذ العنف
وإزاء هذه الخلفية، حان الوقت لكي نخوض تجربة جديد تتمثل في اضافة أسلحة جديدة إلى الترسانة الدبلوماسية. أولاً وبوصفي مؤيدة قوية لقضية المحتجين السلميين السوريين، الذين اشعلوا هذه الاحتجاجات قبل اكثر من عام، اعتقد ان القضية المحورية في سورية اليوم ينبغي وضعها ليس في اطار المعارضة ضد الحكومة، وانما في اطار العنف ضد اللاعنف، وينبغي نبذ العنف من أي اتجاه جاء وتجريده من الشرعية. ونجد ان الموقف الروسي يتمثل في اصراره على وضع الشباب السوريين الذين حملوا السلاح من اجل حماية أسرهم ورفاقهم، ضد قناصة ومدافع الجيش السوري، على القدر نفسه مع جنود الجيش السوري، الذين يطلقون النار على المحتجين العزل ويدمرون منازل المدنيين، بيد ان القدر الأكبر من العنف لايزال يأتي من جانب الحكومة، وأن أي محاولة لإنهائه بغض النظر عن مصادره، سيصب في مصلحة قضية السلام والاحتجاجات. وينبغي الا يكون هم الأمم المتحدة هو شجب جانب دون الآخر، بل اسكات صوت الرصاص.
إشراك الشعب في المراقبة
إذا كان العنف وحده هو العدو فإن الخطوة التالية تتمثل في حشد نوع آخر من مراقبي السلام، وعلى أي مواطن يحمل هاتفاً محمولاً في أي مدينة من المدن السورية ومن أي قومية او خلفية سياسية، ينبغي أن يعمل مراقباً للأمم المتحدة، وأن يتحمل مسؤولية تصوير أي حادث من حوادث العنف، يشهده أو يصادفه، وينشر هذه الصور على موقع مركزي للأمم المتحدة، وعليهم تصوير وجوه المتورطين والأسلحة التي يحملونها. واذا كان مجلس الأمن يؤيد فعلاً خطة أنان، فعليه ان يفوض الأمم المتحدة لإنشاء مثل هذا الموقع وترويجه عبر سورية من خلال قنوات التلفزيون والانترنت والصحافة المطبوعة، وعلى المجموعات النسوية والنشطاء المدنيين في أي مكان من العالم ان يدعموا نظراءهم السوريين في التحرك نحو السلام.
حماية دولية للمدنيين
أخيراً، على جميع الحكومات حول العالم، التي تعمل من خلال الجمعية العامة المتحدة ان تعمل من أجل ترجمة «مسؤولية الحماية» التي أقرتها الأمم المتحدة واستخدام القوة لتحقيق ذلك، ولا نعني هنا قوة السلاح، إنما قوة الدبلوماسية، إذ إن «مسؤولية الحماية» تخول الحكومات حماية مواطنيها من التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب او التنازل عن شرعيتها. وبهذا لا تستطيع الحكومات فقط سحب اعترافها بالحكومة السورية، وانما تستطيع ايضا منح اعتراف مشروط لحكومات المدن والمحافظات التي بإمكانها ايقاف عمليات القتل في محيط نفوذها، والتي يقوم بها جميع الأطراف. ويمكن للأمم المتحدة ان تمنح اعترافها ودعمها لجميع المجالس المحلية والبلدية ومجالس المحافظات التي تبدي استعدادها لتكريس جهودها لخدمة السلام وحماية الجمهور.
هذه الأفكار قد تبدو خيالية للكثير من الناس، إلا أن المأزق الذي تغوص فيه سورية يوماً بعد يوم يشحذ الفكر من اجل حل ما، ففي الوقت الذي اصبحت فيه سورية أرضاً للموت والعنف فلماذا لا نحاول بناء منبر للبحث عن السلام.
آن ماري سلوتر - المديرة السابقة للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية