فراغ قيادة في العالم العربي بعد بزوغ ربيعه
خلال تجوالي في العالم العربي ما بعد الصحوة تفاجأت بالعدد القليل من القادة الجدد، الذين تمخض عنهم ذلك الانفجار البركاني السياسي الكبير الذي هز المنطقة. ولا أعني هنا بالقادة الجدد فقط أولئك الذين فازوا في الانتخابات، وإنما أعني القادة من الرجال والنساء على حد سواء، الذين اكتسبوا شرعية وإرادة ليبلغوا شعوبهم الحقيقة ويؤسسوا الائتلافات اللازمة لكي تستطيع شعوبهم التحرك للأمام مرة أخرى.
وخلال مناقشتي هذه المشكلة مع اصدقائي العرب كنت اشير دائماً الى ان بلادي- ولا أعني اوروبا- تعاني المشكلة نفسها، اذ إن هناك فراغا عالميا في القيادة، الا أن مثل هذا الفراغ يسبب مشكلة مستفحلة في العالم العربي في الوقت الراهن لأنه يمر بمنعطف خطير، ويتطلب الأمر في جميع دول الربيع العربي الانتقال من مرحلة «الرئيس العراقي السابق» صدام الى مرحلة «الرئيس الأميركي توماس» جيفرسون من دون المرور بمرحلة الخميني.
لماذا أفرزت الصحوة العربية هذا العدد القليل من القادة؟ والسبب هو ان العملية الانتخابية- جزئياً- تلعب دورها في مصر واليمن، وجزئياً لأنها لم تبدأ بعد في بلدان مثل ليبيا وسورية، بيد ان ذلك مجرد شروح فنية، وأن هناك عوامل اشد عمقاً تعمل في الخفاء، والآن أزاح التيار تلك الدكتاتوريات بعيداً، ويسعى الاسلاميون الى سد الفراغ، فمن الذي سيخبر الشعوب ان الاسلام السياسي على الرغم من أن الاسلام دين عظيم ومجيد ليس «هو الحل»، للتنمية العربية اليوم؟ العمليات الرياضية تجيبنا على ذلك: تستطيع ايران ان تظل على ارض الخميني، لأنها تمتلك نفطاً تستطيع به شراء جميع التناقضات، وكذلك المملكة العربية السعودية، أما مصر وتونس ليس لديهما سوى قدر ضئيل من النفط وكلاهما يحتاج الى قروض من صندوق النقد الدولي، ومن اجل الحصول على تلك القروض سيضطر السياسيون الاسلاميون تقليص الدعم الحكومي ورفع معدلات الضرائب، الا انهم تعودوا على العطاء وليس الأخذ فهل يستطيعون ذلك؟
من الذي يستطيع ان يخبر الشعوب أن الرأسمالية دخلت العالم العربي خلال الـ20 عاماً الماضية في نسختها الفاسدة، الا ان الخطوة الصحيحة الآن هي عدم العودة الى الاشتراكية العربية، وإنما تبني رأسمالية جيدة: اقتصاديات جيدة تعتمد على السوق، وصادرات مطورة، لكنها محكومة بحكم القانون وملتزمة بالشبكات الآمنة.
من الذي يخبر الشباب العرب بأنهم يتمتعون بالمواهب التي يتمتع بها الشباب في كل مكان من العالم؟ الا أن الكثير منهم لايزال يفتقد الأدوات التعليمية للمنافسة في الحصول على وظيفة في القطاع الخاص، ولهذا السبب عليه الآن ان يتعلم اكثر لأن وقت الوظائف الحكومية السهلة قد ولى.
ثم هناك الانقسام بين السنة والشيعة في سورية والبحرين والعراق، أو قل الانقسام بين الفلسطينيين والبدو في الأردن، او الانقسام بين المسلمين والاقباط في مصر. هذه الانقسامات الطائفية حدت من نشوء القادة الوطنيين- وليس هناك نيلسون مانديلا او مارتن لوثر عربي استطاع ان يعلو فوق تلك الانقسامات ليرتقع ذلك الفتق، ومن دون مثل هؤلاء القادة، فإن هناك القليل من الثقة لإنجاز الاعمال العظيمة الصعبة مع بعضهم بعضا، وما تحتاج ان تنجزه هذه المجتمعات العربية عظيم وصعب ولا يمكن انجازه الا بالتعاون. من الذي سيخبر الشعوب بأن المجتمعات العربية ليس لديها أي وقت بعد الآن تهدره في هذه الانشقاقات الطائفية وعلى كل شخص إما ان يدخل «الغيتو» الخاص به او يرحل كلياً من المنطقة؟
يفتقد العالم العربي باستمرار إلى التنوع الذي يتميز به، وكما يقول محرر صحيفة ناشيونال في ابوظبي، حسن فتاح إنه «من دون ذلك التنوع لن يكون هناك تسامح»، ومن دون التنوع فمن الصعب قدح افكار جديدة.
الجيل الجديد من الملكيين في المغرب والأردن والإمارات العربية المتحدة، الذين لديهم الشرعية للم شمل الشعب واحداث التغيير ربما هم القادة الاكثر تأثيراً في المنطقة اليوم. وأصدرت مؤسسة «بورسون مارستيلر» دراستها السنوية عن الشباب العرب، إذ كشفت الدراسة ان معظم الشباب العرب يريدون ان يعيشوا في دولة الإمارات العربية المتحدة اكثر من أي دولة اخرى، لأنها استطاعت ان تطور دبي وابوظبي الى مركزين عالميين وتجعل منهما محركاً للوظائف. القيادة مهمة للغاية، ويخبرنا الإصلاحيون التعليميون كيف أن ثلاث سنوات من التعليم المعوج يمكن ان تخلق طلبة معوجين لسنوات مقبلة عدة، بينما عام واحد من التعليم المؤثر يمكن ان يلحق هؤلاء الطلبة بركب التقدم ويدفعهم للأمام. الشيء نفسه ينطبق ايضا على القادة، اذ إن الدفع للأمام بالأوتوقراطيين في مصر واليمن وتونس وليبيا وربما قريباً سورية يعتبر من الضرورة بمكان، الا أن ذلك ليس كافياً، إذ لابد من قادة جدد يستطيعون قول الحقيقة المرة ويستطيعون بناء ائتلاف وطني عريض لإنفاذ مثل هذه الخطط. لم يحدث ذلك بعد فمن الذي سيخبر الشعوب بذلك؟
توماس فريدمان - صحافي أميركي مهتم بالشرق الأوسط