مسلمو روسيا يشكلون 10٪ من السكان ويبلغ عددهم 23 مليون نسمة. غيتي

روسيا.. الشيوعية فشلت في القـــضاء على الإسلام

يأتي الإسلام في المرتبة الثانية في روسيا بعد المسيحية، ويشكل معتنقوه نحو 10٪ من سكان الدولة، ويوجد في روسيا نحو 5000 منظمة إسلامية مشكّلة من السنة والشيعة والصوفيين.

وكان الشعب الداغستاني أول المسلمين الذين سكنوا روسيا المعروفة بحدودها اليوم، وذلك بعد أن فتح العرب المسلمون هذا البلد في القرن الثامن، أما أول دولة اسلامية فكانت «فولغا بلغاريا» التي تأسست عام .922 وقد ورث شعب التتر الدين الإسلامي عن هذه الدولة، وفي مرحلة لاحقة أصبح معظم سكان القوقاز من اتباع الدين الاسلامي، وغالبية المسلمين في روسيا البالغ عددهم نحو 23 مليون من السنة، ونحو 10٪ منهم شيعة. وفي مناطق قليلة، مثل داغستان والشيشان، يوجد بعض التقاليد الصوفية ممثلة بالمدارس النقشبندية والشاذلية.

بوتين يحفز النساء على الإنجاب

يتوقع بول غلوب، المتخصص في أمور الأقليات العرقية في روسيا الاتحادية، أنه خلال العقود القليلة المقبلة سيتحول المسلمون في روسيا الى أغلبية، إذ إن تعداد الروس المسيحيين في تناقص كبير، وشكل ذلك صداعا قويا وقلقا مزعجا للسياسيين الروس. وكان رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين، قد دعا النساء الروسيات الى انجاب المزيد من الاطفال، لان خبراء السكان يتوقعون ان ينخفض تعداد سكان روسيا من 143 مليوناً الى 100 مليون بحلول عام .2050 واثار ذلك الرعب لدى القادة الروس والقادة الغربيين ايضا من تحول المسلمين الى غالبية في روسيا. ويبلغ معدل تزايد المسلمين الروس منذ عام 1989 ما بين 40 الى 50 ٪، استنادا الى الجماعات العرقية، ويوجد في روسيا حالياً نحو 8000 مسجد، في حين انه قبل 15 عاما كان هناك 300 مسجد فقط. وبحسب الاحصاءات فانه مع نهاية عام 2015 سيتجاوز تعداد المساجد في روسيا 25 ألفاً. وتعد هذه الاحصاءات مرعبة لبعض الجماعات العرقية التي تقرن الاسلام بحرب الكرملين ضد المسلحين الشيشان، إذاً فإن روسيا في حالة تقلص ولذلك قدم بوتين الحوافز للنساء اللواتي ينجبن المزيد من الاطفال. وقال إن الدولة ستمنح 1500 روبل من اجل الطفل الاول و 3000 روبل من اجل الطفل الثاني.

مسجد قولشريف

يُعد مسجد قولشريف ثاني أكبر مسجد في أوروبا، بعد مسجد قبة غروزني المركزي. وتم بناء المسجد في قازان في القرن السادس عشر، وفي عام 1996 تمت إعادة بناء المسجد من جديد، وأسهمت دول عدة في تمويل بنائه، من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية. وأطلق على المسجد اسم قولشريف الذي كان يخدم في المسجد، وقتل مع العديد من تلامذته أثناء دفاعهم عن قازان من القوات الروسية عام .1552 ويعتقد ان تصميم المساجد كان مزيجاً من الفن المعماري الروسي والعثماني. وفي عام 1552 وخلال هجوم القيصر ايفان الرهيب على قازان دمر المسجد.

ويرى علماء التتر إنه يمكن مشاهدة بعض عناصر بناء المسجد في كنيسة سان باسل في موسكو. ومنذ عام 1996 تمت إعادة بناء المسجد في قازان من جديد، واصبح يبدو عصريا تماما. وتم افتتاحه في 24 يوليو عام 2005 التي ميزت بداية الاحتفالات بمرور 1000 عام على انشاء مدينة قازان. ويمثل قولشريف أحد أهم الرموز الملهمة للتتر من اجل الاستقلال، والتحرر. وفي هذه الايام بات المسجد يقوم بدور المتحف الاسلامي الى حد كبير، وفي الوقت ذاته يتجمع المسلمون بالآلاف خلال الاعياد الإسلامية الكبيرة للصلاة فيه.

وتميزت الفترة ما بين فتح قازان، كبرى المدن الروسية عام 1552 الى صعود الملكة كاثرين عام ،1762 بالقمع والاضطهاد المنظمين من خلال سياسات الاقصاء والتمييز، إضافة الى محاولات تدمير الثقافة الاسلامية عن طريق القضاء على تجليات الدين الاسلامي في روسيا مثل المساجد.

وأظهر الروس في البداية استعدادا للسماح للإسلام بالتطور والازدهار، حيث كانت توجه الدعوات لرجال الدين الاسلامي في مختلف المناطق لتقديم الوعظ للمسلمين، خصوصاً إلى شعب كازاخستان الذي اعتبره الروس جاهلا ومتخلفا، لكن هذه السياسة الروسية تغيرت باتجاه اضعاف الاسلام عن طريق ادخال عناصر ما قبل الاسلام الى الوعي الجماعي للروس، وتضمنت هذه المحاولات المبالغة في توجيه المديح للشخصيات الروسية التاريخية التي ترجع الى ما قبل دخول الاسلام الى روسيا، وفرض احساس بالدونية عن طريق ارسال الكازاخيين المسلمين إلى معاهد النخبة الروسية العسكرية.

وتم إبعاد الكثير من المسلمين عن اراضيهم، إذ أصبحوا أقلية في اماكن مثل حوض جنوب الاورال، وأباد الروس العديد من الشركس والتتر والكثير من المسلمين في منطقة القوقاز. وكان الجيش الروسي يعتقل المسلمين ويطردهم من قراهم الى الموانئ الواقعة على البحر الاسود، حيث تكون السفن بانتظارهم لنقلهم الى الامبراطورية العثمانية، واستمر هذا الوضح في ظل العديد من القياصرة الروس.

وبعد الثورة الروسية عام 1917 واجه المسلمون الروس وضعاً خطراً، فقد كان قادة الثورة الشيوعية مصممين على فرض نظام شمولي على كل روسيا، إضافة الى انهم كانوا معادين لجميع الاديان. وفي عام 1924 فرض الستار الحديدي على المناطق الاسلامية، ما أدى الى عزل مسلمي روسيا عن بقية العالم الإسلامي.

تطهير عرقي

على الرغم من أن جهود إسبانيا في القضاء على الإسلام حققت النجاح، إلا أن جهود قادة الشيوعية باءت بالفشل، وتم إغلاق العديد من المساجد في ذلك العصر، فعلى سبيل المثال كان مسجد الماركاني هو المسجد الوحيد الذي تقام فيه الصلاة في قازان في تلك الحقبة، وخلال حكم ستالين كان مسلمو تتار القرم ضحايا الطرد الجماعي من بيوتهم، وبدأت عملية الابعاد من القرى والبلدات في 17 مايو 1944 لجميع السكان الاصليين المقيمين في القرم، وشارك أكثر من 32 األف جندي في هذه العملية، إذ تم ابعاد 193 ألفاً و865 تترياً من القرم من قراهم، وخلال الفترة من مايو الى نوفمبر من العام ذاته توفي 10 آلاف و105 من تتر القرم بسبب الجوع في اوزبكستان، وتوفي 30 ألفاً آخرين في المنفى خلال العام ذاته.

وإثر سقوط النظام الشيوعي أصبح من الممكن بالنسبة للمسلمين ممارسة طقوس ديانتهم علناً، وكان هناك الكثير من المؤشرات على ان الحكومة تنوي المصالحة مع المسلمين في روسيا خلال التسعينات من القرن الماضي، وتزايد عدد المسلمين الذين سمح لهم بتأدية فريضة الحج على نحو كبير، بعد انتهاء الحظر الذي فرضه الاتحاد السوفييتي.

وأخذ تعداد المسلمين في تزايد واضح في جميع انحاء روسيا، بعد ان عاش ثلاثة اجيال من منهم تحت القمع السوفييتي، لكن الحرية التي تمتع بها المسلمون بعد ذلك جعلت الوضع مختلفاً.

وقال مفتي تترستان التي تتمتع بالحكم الذاتي داخل روسيا الاتحادية غوزمان اسخاكوف «العديد من الناس أصبحوا أكثر اهتماماً بالاسلام»، وادى ذلك الى نشوء نهضة اسلامية في تترستان التي دخلها السلام في القرن العاشر.

وفي تسعينات القرن الماضي ابان عصر البيروسترويكا (ايام الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشيف)، كان هناك مسجد واحد في قازان في تترستان، لكنها اصبحت الآن اكثر من 50 مسجداً، اضافة الى مسجد ضخم يحمل اسم «قولشيرف»، وبات الآلاف من التتر يتجمعون في المساجد والمدارس الدينية من اجل تعلم القضايا الاساسية في الدين الاسلامي. ويوجد في المدرسة المحمدية في قازان، وهي احد اهم ستة مراكز اسلامية في قازان، مئات من الطلاب الذين يتعلمون الاسلام.

والامر الذي اثار الاهتمام بالإسلام هو مدى التنوع الذين يكتشفونه في هذه المدارس، فهناك فايز المولود في عام 1947 وهو عامل تدفئة مركزية، ويعمل في وزارة القضايا الدينية. وهناك عزت (70 عاماً)، وكان مدرس احياء، ونادر المولود عام 1953 وهو مدير مسرح في اودمورتي. ويقول التتريون الذين عادوا الى الاسلام من جديد القصة ذاتها: انهم استأنفوا ممارسة دينهم الذي لم يتخلوا عنه بصورة شاملة.

 مخاوف روسية

في المقابل، أدت الخشية من تصاعد قوة الاسلام الى توتر مع المسيحيين الروس تماماً كما شعر الاوروبيين نحو المسلمين المهاجرين. وبناء عليه عمدت الحكومة الروسية الى وضع يدها وسيطرتها على الدين الاسلامي بالطريقة السوفييتية، لكن مسلمي روسيا ليسوا مهاجرين وأجانب، وانما سكان اصليون في المناطق التي يعيشون فيها، وكان رئيس الحكومة الروسي فلاديمير بوتين، قال للملك الاردني عبدالله الثاني «المسلمون في روسيا مواطنون روس وليس لهم موطن آخر يمكن ان يذهبوا إليه».

وكان الصراع في روسيا مختلفاً عما عليه الحال في اوروبا، إذ انه غير ناجم عن عدم انصهار مسلمي روسيا في المجتمع الروسي، وانما من الخوف على وحدة الدولة نفسها، وعدم تعرضها للانقسامات، والحفاظ على اقاليمها المتعددة. وكان الشيشانيون قد حاولوا في التسعينات الانفصال عن روسيا، وقاد حربهم القائد الشيشاني شامل باساييف، بهدف إنشاء دولة اسلامية توحد مناطق شمال القوقاز الاسلامية، التي واجهها الجيش الروسي بقوة مفرطة وقضى عليها.

وبعد ذلك بدأ التوتر، وبدأت الحكومة الروسية تنظر الى الاسلاميين بحذر، وتشكك بسبب حركة الانفصال الشيشانية، التي اعتبروها متطرفة، وازدادت كراهية الروس للمسلمين. وفي اكتوبر الماضي على سبيل المثال قامت مجموعة من الشبان بنهب احد المساجد في سيرغييف بوساد بالقرب من موسكو، وقاموا بضرب الإمام بشدة، وكانوا يصرخون قائلين «لن يكون هناك مكان للمسلمين في روسيا»، حسبما ذكره مجلس المفتين الذي يمثل الادارات الروحية في روسيا. وقال المفتي رافل غينوتالدين، رئيس المجلس «على الحكومة ان تفعل الكثير»، وشكا أن التلفزيون الحكومي يصور المسلمين بشكل جماعي كأنهم متشددون يشنون حرباً مقدسة ضد روسيا، وليسوا اعضاء في المجتمع الروسي. واضاف المفتي «إذا علمنا الاطفال المسلمين أن يكونوا مقاتلين متمردين ومستعدين للمعركة، فإن الروس يعلمون ابناءهم ضد المسلمين، وبالتالي فلن تكون لدينا السياسة السليمة، ويتيعن على الحكومة في هذا البلد ان تنتبه الى ذلك وتستجيب له».

الأكثر مشاركة