أردوغان جدّد مطالبته بإقامة علاقات جيدة مع أوروبا عند الفوز الانتخابي. أ.ف.ب

أوروبا الخاسر الوحيد من نتائج انتخابات تركيا

حقّق رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، النصر في الانتخابات التركية، ويبدو ان كلمات الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الخالدة عندما قال «انه الاقتصاد الفيصل»، هي التي منحت حزب السيد اردوغان «العدالة و التنمية» النصر، فقد استفادوا من بعض القرارات الصعبة التي اتخذوها بشأن الإنفاق العام، والتي تم اتخاذها عام ،2002 عندما وصلوا الى السلطة. وتضاعف اجمالي الدخل القومي لتركيا مرتين خلال اقل من عقد من الزمن، كما ان تركيا خرجت من الأزمة المالية العالمية عام 2008 دون اي ضرر يذكر.

ويعادل معدل النمو الاقتصادي في تركيا نظيريه في الصين و الهند، و لايزال معدل البطالة مرتفعاً بالمعايير البريطانية حيث يبلغ 11.5 هابطاً من 14.4 خلال الـ12 شهراً الماضية. وأدى الازدهار الاقتصادي الى زيادة العجز التجاري الذي يتعين على الحكومة الجديدة معالجته، بيد ان الإجراءات المطلوبة لن تقوض التحول في مستويات المعيشة التركية.

ويعتبر نجاح الحزب في الانتخابات لفترة الحكم الثالثة إنجازاً كبيراً مقارنة بانتخابات عام ،2007 فقد ارتفعت حصة الحزب بأربعة من الأصوات الى 49.9 (أعلى حصة من الأصوات حصل عليها حزب بريطاني في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت 49.7 عام 1955)، وهذا النصر لم يتحقق من قبل بأقلية من الناخبين الساخطين الذين تم دفعهم الى التصويت. وانما كانت معركة انتخابية ساخنة شارك فيها العديد من الأحزاب، وكانت انتخابات نظيفة بكل المقاييس شارك فيها 84.8٪ من الناخبين، الأمر الذي يضع المملكة المتحدة في موقف مخجل. ومرّ اكثر من نصف قرن على اخر مرة بلغت فيه نسبة المشاركين في الانتخابات 80٪ ممن يحق لهم الانتخابات. هل لايزال هناك من يدعي ان الإسلام والديمقراطية لا يلتقيان؟

وكانت هناك احاديث كثيرة قبل الانتخابات والتي مفادها ان «حزب العدالة والتنمية» يمكن ان يفوز بأغلبية كبيرة لدرجة تمكنه من ادخال تغييرات كبيرة على الدستور التركي، دون تقديم تنازلات للمعارضة، دون لجوء اردوغان الى الاستفتاءات الشعبية. ولكن هذا لن يحدث الآن، اذ ان الأغلبية التي يتمتع بها الحزب ليست كبيرة بما يكفي. وهذا يعني ان حزب العدالة والتنمية سيحاول الحصول على اجماع اكبر من اجل هذه التغييرات، وهو امر اعترف به اردوغان اثناء إلقاء خطاب النصر.

والإجماع أمر يمارسه العديد من القادة العلمانيين في تركيا الذين جاؤوا قبله. وكان إرث مؤسس تركيا الحديثة، كمال اتاتورك، كبيراً، فقد حول تركيا من دولة دينية متعثرة ومتخلفة الى دولة حديثة، بيد انها كانت عدوانية ازاء الدين في دولة يشكل المسلمون 98٪ من سكانها، وقدم السلطة في البلد الى الجيش والقضاء. ولكن اردوغان الذي تم انتخابه محافظا لمدينة اسطنبول عام 1994 كان ممنوعاً من الوصول الى السلطة، ودخل السجن لمدة اربعة أشهر لأنه قرأ قصيدة اعتبرت انتهاكاً «لإرث كمال اتاتورك».

وكان ذلك الحظر لايزال مفروضاً عندما وصل «حزب العدالة والتنمية» الى السلطة عام ،2002 ولذلك قام عبدالله غول المقرب من اردوغان ونائب رئيس الحزب ( الآن رئيس تركيا) بشغل لقب رئيس الحكومة المؤقت حتى رفعت المحكمة الدستورية الحظر. ؤأخيراً فرضت المحكمة ذاتها حظراً على ارتداء النساء غطاء الرأس في الأماكن الرسمية (بما فيها الجامعات الحكومية) متحدية المعارضة البرلمانية وكادت تحظر «حزب العدالة» نفسه. وتم تأسيس الدستور الحالي في تركيا اثر انقلاب عام ،1980 وبالطبع فإن قضية اصلاح هذا الدستور وتوضيح دور الجيش وفتح الباب امام محاسبة الجهاز القضائي وتعزيز المشاركة، تعتبر مسألة مهمة جداً. ومن المرجح ان يقوم «حزب العدالة والتنمية» بتقديم اقتراحات من اجل رئاسة تنفيذية على الطريقة الفرنسية. وأعتقد أنه عن طريق استهداف هذه التغيرات فإن السيد اردوغان لن يقلد هؤلاء الذين ادخلوه السجن، وسيظهر مدى ثقته بنفسه عند التأكيد على ان الصحافيين القابعين في السجن الآن تجب محاكمتهم على اية جرائم ارتكبوها او اطلاق سراحهم على الفور.

وعندما ذكر اردوغان في خطابه ان سورية ولبنان وفلسطين ستستفيد من انتصاره في هذه الانتخابات، كان يقصد من ذلك ان تركيا اصبحت الآن اللاعب الأكثر اهمية في الشرق الأوسط، كما ان نفوذها يتصاعد على الصعيد الدولي. وكانت المملكة المتحدة قد اتخذت قراراً استراتيجياً بدعمها لتركيا بعكس الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا والمانيا التي عمدت فعلاً الى منع دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي.

ويواصل اردوغان مطالبته بإقامة علاقات جيدة مع اوروبا (نصف تجارتها مع الاتحاد الأوروبي) وهي تطمح الى ان تصبح عضواً في الاتحاد، ولكن اذا كان هناك في اوروبا من يشعرون بالقلق من اثبات تركيا قوتها في الاقتصاد والسياسة الخارجية، فإن عليهم الا يلوموا احدا غير انفسهم. ويبقى الخاسر الوحيد من نتيجة هذه الانتخابات هو الاتحاد الاوروبي نفسه. ففي الوقت الذي تكون اوروبا في أمسّ الحاجة الى الحلفاء الأقوياء للمساعدة على الوصول الى نتائج حميدة من الربيع العربي، فإنه من قصر النظر ان يديروا ظهورهم لأقوى دولة والأكثر ثراء وديمقراطية في الشرق الأوسط.

جاك سترو - وزير خارجية سابق في بريطانيا

الأكثر مشاركة