توماس فريدمان. غيتي

فريدمان إلى أوباما: مستقبل مصر أهم من تطورات ليبيا

كان عندي بعض الوقت لأنفقه في مطار القاهرة، تجولت عبر متجر «الكنوز المصرية»، لم ألق اهتماماً كبيراً للملك توت عنخ آمون، المرسوم على الأوراق ومنفضات السجائر، لكنني بدلاً من ذلك استهواني تمثال جمل، عندما فركت سنامه أتاني صوت يشبه صوت رغاء البعير، وعندما قلبته لأنظر إلى أسفله لأرى في أي مكان مصنوع، اكتشفت انه «صنع في الصين». والآن وفي هذا الوقت الذي يريد فيه المصريون ان يحاكموا الرئيس السابق حسني مبارك، فإنني أطلب منهم ان يضيفوا للائحة اتهاماته انه حكم لـ30 عاما في دولة يعيش نصف سكانها على دولارين في اليوم، وان 20٪ منهم عاطلون عن العمل في الوقت الذي تستورد فيه البلاد بضائع تمت صناعتها بأيد عاملة رخيصة مثل تمثال الجمل المصنوع في الصين.

هذا لعمري إحراج لمبارك وأميركا التي قدمت له 30 مليار دولار منحة لتحديث الاقتصاد المصري خلال الـ30 عاماً الماضية، كما ان الرئيس أوباما وعد بتقديم مليارين آخرين.

اصبح الاقتصاد المصري ضعيفاً منذ اندلاع الانتفاضة، وتحتاج الحكومة الجديدة للاموال لتصريف الامور، لكنني آمل ان يفهم اوباما ووزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون هذا الآن، في هذه اللحظة تحتاج مصر من واشنطن لشيء اكثر قيمة من الاموال: الاتصالات من خلف الكواليس مع جنرالات مصر الحاكمين للتشاور حول كيفية اكمال المرحلة الانتقالية والانتقال الى الديمقراطية.

لماذا؟ لانه بعد إقصاء مبارك في فبراير الماضي فقد تم نقل سلطاته الرئاسية الى المجلس العسكري الذي يترأسه وزير الدفاع. إنه وضع شاذ للغاية، أو كما حدثني الروائي المصري علاء الأسواني، مؤلف «عمارة يعقوبيان»، لدينا هنا ثورة حققت نجاحها لكنها ليست سلطة، ولهذا فإن أهداف الثورة يحققها وكيل، وهو الجيش، الذي اعتقد انه مخلص وحريص على فعل الشيء الصحيح، لكنه ليس بطبيعته ثورياً».

فقد تحرك جنرالات مصر سريعاً ليمهدوا الطريق للديمقراطية: انتخاب برلمان جديد في سبتمبر المقبل، هذا البرلمان بالتالي سيشرف على وضع دستور جديد، وانتخاب رئيس مدني جديد، إلا ان هناك مشكلة كبيرة: فثورة ميدان التحرير كانت عفوية في معظم جوانبها، لم يقدها أي زعيم معين، فالأحزاب الآن في دور التشكيل، فإذا جرت الانتخابات في سبتمبر المقبل، فإن المجموعة التي تتمتع بشبكة حزبية جيدة هي تلك التي تعيش تحت الارض، والتي اصبحت الآن شرعية، وهي مجموعة الاخوان المسلمون.

«الليبراليون يشعرون ببعض المخاوف، فهم يعتقدون انهم صنعوا الثورة، ويجيءالاخوان المسلمون الآن ليسرقوها منهم. ليس ذلك صحيحاً»، هكذا يقول عصام العريان، أحد قادة الاخوان المسلمين.

ولكن هذا هو ما يخشاه المدنيون العلمانيون المعتدلون الذي قادوا الثورة في ميدان التحرير. وهم الآن يشكلون أحزابا ويحاولون بناء شبكات تربط الملايين من المصريين التقليديين الذين يعيشون في الضواحي، واستمالتهم للتصويت لصالح أجندة الاصلاح، وليس فقط لـ«الإسلام هو الحل». «الاحزاب الليبرالية تحتاج إلى مزيد من الوقت للتنظيم»، كما يقول الملياردير المصري، نجيب سويرس، الذي يطالب جميع المجموعات الليبرالية ان تنضوي تحت لواء واحد، وألا تشتت أصواتها.

إذا تمت الانتخابات في سبتمبر المقبل، واستطاع الاخوان المسلمون ان يفوزوا بالأغلبية، فإن ذلك سيكون له اثر كبير في كتابة اول دستور حقيقي لمصر، وربما يفرض قيودا على حرية المرأة والكحول واللباس والعلاقة بين المسجد والدولة، وكما يقول المدير السابق لوكالة الطاقة النووية، محمد البرادعي، «سيكون لدينا برلمان غير ممثل (للشعب)، يكتب دستورا غير ممثل». ويضيف احد زعماء الأحزاب الاصلاحية، وهو أسامة الغزالي حرب «ولان الاخوان المسلمين على استعداد فإنهم يريدون الانتخابات أولاً»، ويضيف «اما نحن كأحزاب علمانية تحتاج لبعض الوقت لجمع شتات أحزابها فعلينا ان نشكر الجيش على دوره الذي أداه، لكنها ثورتنا وليست انقلابا، فإذا كان هناك انتخابات عادلة فإن الاخوان المسلمين سيحصلون على 20٪ فقط». الانتخابات الحرة نادرة في العالم العربي، وعندما تحدث فإن أي شخص يريد ان يدلي بصوته، وليس فقط القاطنون في الوطن، ونستطيع ان نؤكد ان الاموال ستتدفق هنا من السعودية وقطر لمساعدة الاخوان المسلمين.

ولا تستطيع أميركا ان تتدخل بشكل مكشوف في التداولات الجارية بشأن الانتخابات المصرية، إذ إن تدخلها سيدمر الإصلاحيين الذين جاءوا سريعاً، والذين يريدون إبعاد الجنرالات المصريين، ولهذا ينبغي ان ينخرط المسؤولون الاميركيون بهدوء مع الجنرالات في تداولات هذه المرحلة، وتشجيعهم على الاهتمام بالاصوات المصرية العديدة، التي تبدي اهتمامها بمخاوف مشروعة، تقول إن الوقت لم يحن بعد لإجراء الانتخابات. بالمختصر المفيد فإن الثورة المصرية لم تنته بعد. فقد تخطت مرحلة الشارع، وانها الآن في المرحلة المهمة التي يقرر فيها المصريون من الذي يحق له ان يضع منظومة القوانين لمصر الجديدة. ونؤكد أن مصر ستؤثر في العالم العربي كله، ونأمل ان يضع فريق اوباما هذا الامر نصب عينيه، لأنها اكثر أهمية من ليبيا.

 توماس فريدمان: صحافي وكاتب أميركي

الأكثر مشاركة