جميلة تخطو على عكازتين باتجاه حلمها في غزة
تتكئ جميلة الهباش على عكازتيها الحديثتين كل صباح في طريقها الى المدرسة متجهة نحو تحقيق حلمها في ان تصبح صحافية، لكي تتمكن من فضح جرائم اسرائيل التي افقدتها ساقيها في عدوانها على قطاع غزة قبل عام.
وباتت جميلة ابنة الـ15 عاماً رمزاً لصمود اطفال غزة، بعد ان لفتت أنظار العالم إليها خلال مقابلة اجرتها معها قناة الجزيرة الفضائية وهي ترقد على سريرها في مستشفى الشفاء خلال الحرب، حين اكدت اصرارها على تحقيق حلمها بأن تصبح «صحافية». وكتبت النجاة لجميلة التي فقدت ساقيها في حين قتلت شقيقتها شذى (11 عاماً) وابنة عمها اسراء (10 اعوام) وفقد محمد ابن عمها ساقه ايضاً، حينما باغتهم صاروخ اسرائيلي وهم يلهون فوق سطح منزلهم المكون من طبقات عدة في حي الشعث شرق مدينة غزة في الرابع من يناير .2009
وتبتسم الفتاة بثقة وقد عادت من مدرستها على عكازتيها يساندها شقيقها مؤمن، قائلة «أنا بأفضل حال، أذهب الى مدرستي كل يوم وأتابع دراستي وحياتي بشكل طبيعي». وتستغرق الرحلة الى المدرسة نحو ثلاثة ارباع الساعة على الرغم من انها تبعد اقل من 80 متراً عن المنزل.
وتروي جميلة وهي تلتقط انفاسها من عناء الطريق «لن يثنيني ما حدث عن مواصلة حياتي، بل إنه دافع قوي لتحقيق حلمي في ان اكون صحافية ممتازة أنقل الحقيقة للعالم وأفضح جرائم اسرائيل بحقنا».
وتسترجع الفتاة التي ترتدي جلباباً طويلاً وحجاباً «لا اذكر ما حصل معي وقت الحادث والحمد لله اني لا افعل وإلا بقيت افكر في الأمر واسترجعه وتوقفت عن التفكير بحلمي».
وتستدرك «كنت ألعب على السطح انا وأختي شذى وابنة عمي اسراء وابنا عمي محمد ومحمود، ثم التفتنا فجأة الى محمود يصرخ: صاروخ صاروخ».
وتتابع «لا اعلم ماذا حدث بعدها فقد استيقظت بعد الحادثة بيومين في المستشفى، وأخبروني حينها بأن شذى واسراء استشهدتا فشعرت بقمة الحزن ولم يخبروني عما اصابني». وتضيف الفتاة بحزن تداريه ابتسامتها «حزنت جداً فقد كانت شذى اقرب اخواتي لي، كانت علاقتنا حميمة».
وتستذكر بعد ان ارتشفت القليل من العصير «كنت نائمة على سريري حينما دخلت الطبيبة الى غرفتي لتتفقدني فاستيقظت من دون ان افتح عينيّ وسمعتها تسأل امي هل اخبرتموها بما اصابها؟ فأجابتها امي بأنها لم تفعل بعد». وتكمل «رفعت رأسي وسألتهم عما يجري، فاخبرتني الطبيبة انهم اجروا لي عملية بتر بالأطراف». تصمت الفتاة للحظة ثم تستأنف «اعتقدت انهم بتروا القدم فقط لأنني كنت اشعر بساقيّ تماماً، لكنهم بتروا الساقين من فوق الركبة». الا ان جميلة تصر بمعنوية مرتفعة «لن افشل، قررت من تلك اللحظة ان لا اسمح لليأس او الإحباط ان ينالا مني». وتلقت جميلة وابن عمها محمد دعوة من السعودية للعلاج على نفقتها في مستشفى الرياض عقب مقابلتها مع الجزيرة الفضائية.
وتقول «مكثت انا ومحمد اكثر من ستة شهور في السعودية، ركبوا لي خلالها ساقين اصطناعيتين، وركبوا لمحمد طرفاً، لكن الاختصاصيين في مركز الشوا للعلاج الطبيعي في غزة اخبروني بعد عودتي بأن الطرفين غير ملائمين وبأن جسدي يرفضهما». وتتذكر جميلة انها كانت عاجزة عن استخدام الطرفين وكانت تشعر بآلام كبيرة لدى محاولة السير. وتقول الفتاة بتحدٍ «سأتمكن من الاستغناء عن العكازتين تماما قريباً». تجتاز جميلة اليوم 50 متراً بطرفيها الجديدين متكئة على العكازتين في 20 دقيقة عندما لا تكون متعبة. وهو تقدم هائل عما كانت عليه الحال قبل شهر عندما كانت تحتاج الى ثلاثة ارباع الساعة لاجتياز خمسة أمتار ليس إلا.