«الناتو» يعتبر حالياً الكيان التحالفي الأقوى عسكرياً وسياسياً. أ.ب

«الناتو» يحتاج مفهوماً استراتيجــياً جديداً

أضحى حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي احتفل أعضاؤه بعيده الستين في أبريل الماضي، يجتذب القليل من الاهتمام الشعبي، وأصبحت وسائل الإعلام تنادي بإنهاء الحلف، لأنه أصبح من الناحية الجيواستراتيجية غير مناسب إطلاقاً.

يتندر المتحدثون الروس على الحلف بأنه أصبح من آثار الحرب الباردة. حتى عودة فرنسا إلى الحلف، بعد ابتعادها عنه 40 عاماً، لم تثر سوى القليل من رد الفعل الايجابية.

إيجابيات

وفي تحليلنا لدور «الناتو» المتعاظم، علينا أولا أن نضع في الاعتبار الحقيقة التاريخية، وهي أن الحلف خلال 60 عاماً من التحالف أسس لثلاثة تحولات رئيسة في الشأن العالمي: أولاً، «الحرب الأهلية» التي استمرت قروناً في الغرب من أجل السيادة الأوروبية. ثانياً، تعهدات الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بالدفاع عن أوروبا ضد الهيمنة السوفييتية. وثالثاً، الإنهاء بسلام للحرب الباردة التي وضعت حداً للانقسام الجيوسياسي الأوروبي، وهيأت الظروف لاتحاد أوروبي ديمقراطي شامل.

وأثارت هذه النجاحات السؤال الشرعي: ثم، ماذا بعد؟ وما المضامين والدروس المستفادة من الستين عاماً الماضية؟ تم تكليف الأمين العام الجديد للحلف بـ«تطوير مفهوم استراتيجي جديد، وتقديم مقترحات من أجل تنفيذها، بحيث تتم الموافقة عليها في قمة (الناتو) التالية».

وإذا ما وضعنا في الاعتبار المعضلات الأمنية الراهنة والمستقبلية المحتملة التي قد يواجهها الحلف، فإن المفهوم الجديد سيتعامل على الأقل مع أربعة تحديات كبيرة: أولاً، كيفية تحقيق محصلة سياسية مقبولة في خضم تورط الحلف في الصراعات الأفغانية الباكستانية المتقاطعة. ثانياً، كيفية تحديث معنى والتزامات «الأمن الجماعي»، كما هو مضمّن في المادة 5 من معاهدة الحلف. ثالثاً، كيفية ضم روسيا للحلف من أجل علاقات متبادلة مفيدة مع أوروبا ومجتمع شمال الأطلسي. ورابعاً، كيفية الاستجابة لمعضلة الأمن الكوني.

وتتعلق النقطتان الأوليان من هذه التحديات بصدقية «الناتو»، كحلف إقليمي أميركي-أوروبي، وتتعلق النقطتان الأخريان بدور الحلف العالمي، حيث إن أي فشل في التعامل مع التحديات الأربع قد يعرض للخطر التحولات الرئيسة التي تمخضت عن إنشاء الحلف، والمذكورة سابقاً. وعلى الرغم من أن تلك التحولات ذات مغزى تاريخي، إلا أنها ذات علاقة وثيقة بالمهمة الدولية الحالية التي يضطلع بها الحلف اليوم.

يعتبر «الناتو» بلا شك الكيان التحالفي، الأقوى عسكرياً وسياسياً في الوقت الراهن، حيث يأتي أعضاؤه الـ 28 من دول متقدمة تكنولوجياً واجتماعياً وغنية اقتصادياً وديمقراطية سياسياً.

روسيا.. والمستقبل

على الحلف أن يحدد هدفاً استراتيجياً تاريخياً وجغرافياً بعيد المدى مع روسيا الاتحادية، حيث روسيا ليست عدوا للحلف، لكنها تنظر إليه بعدائية شديدة، وهذه العدائية ليس من المحتمل أن تتلاشى في وقت قريب، لاسيما إذا ما تم انتخاب رئيس الوزراء الحالي، فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا مرة أخرى في .2012 وعلى الحلف أن يحذر في تعامله مع روسيا من إثارة النعرة الروسية الامبريالية، في ما يتعلق بأوكرانيا وجورجيا.

بيد أن الحلف لن يسـتطيع تمديـد نفـوذه ليصبح حلفاً دولياً، أو أن يتحول إلى تحالف ديمقراطيات دولية. وعبرت المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل عن ذلك بوضوح في مارس الماضي، عندما قـالت «لا أعتـقد أن حلـف الناتـو سيصـبح دولياً، يمكنه فقط أن يوفر الأمن خارج نطاقه، إلا أن ذلك لا يعني أن في إمكانه استقطاب أعضاء جدد حول العالم».

من ناحية أخرى، فإن دولية حلف الناتو ستقلل من الهيمنة الأميركية-الأوروبية على العالم، كما لا يمكن لأي من القوى الصاعدة القبول بالانضمام للحلف.

زبيغنيو بريجنسكي
مستشار للأمن القومي الأميركي من 1977 إلى 1981

الأكثر مشاركة