«صناعة الاختطاف» تهدد حياة المكسيكيين
تمتلك المكسيك مقومات طبيعية وديموغرافية هائلة تؤهلها لتكون في مصاف الدول المتقدمة، إلا أن الفساد الإداري وانتشار الجريمة تحول دون تحقيق أي تقدم اقتصادي. ومن الجرائم التي باتت تمثل هاجساً حقيقياً في هذا البلد الشاسع ظاهرة الاختطاف التي لا تفرق بين المكسيكيين والأجانب. وحسب أحدث التقارير، فإن الخاطفين يستهدفون ثلاث شرائح من الناس، الأطفال في المرتبة الأولى، يليهم السياح ثم الأثرياء.
يقول متابعون للشأن المكسيكي إن خلايا الجريمة في المكسيك تتشابك، إلى حد يصعب التفريق بين تجار المخدرات والمجموعات الإجرامية والخاطفين، وربما تجتمع هذه النشاطات كلها عند جماعة واحدة. ونظراً إلى تدهور الأمن، اضطر رجال الأعمال وأصحاب الأموال إلى الاستعانة بشركات التأمين وتأجير الحراس الشخصيين، ما ساعد في ازدهار صناعة الأمن بشكل لافت في السنوات الأخيرة. وباستفحال ظاهرة الاختطاف، أصبح المكسيكي يعيش كابوساً يومياً، حيث الكل بات مستهدفاً بشكل أو بآخر.
وطالب ساسة مكسيكيون كثر بضرورة التعامل مع ظاهرة الاختطاف بجدية أكبر، واقترح بعضهم تطبيق عقوبة الإعدام على كل المتورطين في عمليات الاختطاف. وتدعم الاقتراح شريحة واسعة من المواطنين المكسيكيين، حيث تناقلت أنباء أن عصابات تقوم باختطاف أشخاص عاديين وتطلب من ذويهم دفع مبلغ لا يتجاوز 500 دولار مقابل استرجاع الرهينة المخطوفة. إلا أن مصادر صحافية ذكرت إن واحداً من ثمانية مختطَفين من الشخصيات «المهمة».
ويقول رئيس جمعية تجار الجملة، الفريدو نيمي مارتيناز، «يسمونه (الاختطاف) جريمة النخبة، لأنه يستهدف التجار والأثرياء، لكن هذا ليس صحيحاً. تقوم العصابات باختطاف أشخاص من أجل 1000 أو 2000 دولار فقط».
ولايفي المجرمون دائماً بوعودهم، حيث يمكن أن يقتلوا الرهينة بعد أخذ الفدية، كما حدث لعائلة ثرية في نيومكسيكو دفعت ملايين الدولارات من أجل اطلاق سراح ابنهم، 14 سنة، إلا أن العصابة التي اختطفته أعدمته بعد أن أخذت المال، ما أثار ذعراً كبيراً في العاصمة المكسيكية، وجعل المنظمات الأهلية تتظاهر وتتطالب الحكومة بالتحرك.
وفشلت حكومات متعاقبة في التعامل مع ظاهرة الجريمة المنظمة، بسبب غياب استراتيجية واضحة.
ومن القصص التي أثارت ضجة إعلامية، خطف ابنة رئيس اللجنة الرياضية فيرغيس اسكالادا ( 18 عاماً)، في سبتمبر .2007 وفي محاولة يائسة، قامت زوجة اسكالادا بحملة واسعة من أجل استرجاع ابنتها، وظهرت على شاشة التلفزيون وهي تقول، مخاطبة الخاطفين، «فقط، أعيدوا لي ابنتي وخذوا ما تريدون»، كما طبعت العائلة منشورات تحمل صورة ابنتهما سيلفيا. ولم تثمر الجهود المضنية في إطلاق سراح الفتاة المخطوفة.
تقول الإحصاءات الرسمية إن زهاء 1000 شخص يتم اختطافهم سنوياً بمعدل شخصين كل يوم. إلا أن مصادر أخرى تقول إن العدد يتراوح ما بين 2000 و3000 فرد.
والواقع أن عائلات كثيرة تفضل عدم الاستعانة بالشرطة، لأنهم لا يثقون بها. ويقول معهد دراسة الجريمة في المكسيك إن ما معدله 500 جريمة اختطاف حدثت في المكسيك شهرياً.
النوع السريع
تفضل عصابات الاختطاف السريع، أو ما يسمى في المكسيك بـ«اكسبرس»، ويتم اختطاف شخص لساعات يطالبون خلالها بفدية معينة، ثم يطلق سراح الرهينة فوراً. وأحيانا، يطلب من الضحية شراء بعض اللوازم، مستخدماً بطاقته الائتمانية مقابل إطلاق سراحه.
وتقول التقارير إن هذا النوع من الجريمة ينتشر بسرعة في المدن الكبرى. ويصطاد المجرمون ضحاياهم باستدراجهم بواسطة سيارات نقل جماعي غير مرخصة، ثم يتم ابتزازهم بطرق مختلفة، ثم يستولي الخاطفون على كل ممتلكات الضحايا.
ويركز الخاطفون في هذه الحالة على البطاقة الائتمانية والرصيد البنكي، حيث يهددون الضحايا ويستخدمون بطاقاتهم للتسوق، ويسحبون مبالغ من حساباتهم المصرفية. وفي الغالب، يتم إطلاق سراح الضحية مباشرة بعد الاستيلاء على ممتلكاته وأمواله، إلا أن هناك حالات يكون فيها الخاطفون جشعين، ويتصلون بأهل الضحية مطالبن بفدية معينة.
وهناك أسلوب آخر، بدأت عصابات تتبناه، حيث تقوم بالاتصال بعائلة معينة وتطلب منهم مبلغاً مقابل إطلاق سراح أحد أقربائهم، والواقع أن الاختطاف لم يحدث. ويلجأ بعضهم إلى هذه الطريقة، نظراً لقلة الإمكانات أو الرغبة في الحصول على الفدية من دون القيام بأي جهد. وعلى الرغم من أن «الاختطاف الوهمي» ليس شائعاً في المكسيك، فإنه يدل على استفحال ظاهرة الاختطاف، وتفنن العصابات في الإيقاع بضحاياها.
وتقول تقارير أميركية إن تنامي ظاهرة الاختطاف يعود إلى تحول عصابات مخدرات إلى خطف الناس، بسبب الحملة الأمنية التي تقوم بها الحكومة الأميركية التي أفلحت في تقليص حجم تهريب المخدرات من المكسيك إلى الأراضي الأميركية. الأمر الذي دفع تلك العصابات إلى تغيير نشاطها إلى القيام باختطافات.
اختطاف خبير أمني
في نوفمبر الماضي، اختطفت عصابة ملثمة الأميركي والعميل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي«اف بي آي»، فيليكس باتيستا في ولاية كواهويلا الشمالية.
وهو يعمل لمصلحة شركة الأمن «اي ايه س آي غلوبل» التي مقرها هيوسن ، ويعتبر من أدهى خبراء مكافحة الاختطاف. والمفارقة أن الخبير تم اختطافه بعد انتهائه من محاضرات ألقاها أمام رجال أعمال، شمال المكسيك، تناول فيها طرق الوقاية من الاختطاف . ونقلت مصادر مقربة من الشركة أن العصابة التي اختطفت باتيستا حذرت الحكومتين المكسيكية والأميركية بأنها لن تسمح بنشاط أي شخص «يمكن أن يجعل مزاولة عملها -الاختطاف - صعبا». |
شرطة متواطئة
تشير جمعيات حقوقية بأصابع الاتهام إلى الشرطة المكسيكية التي تقف مكتوفة الأيدي أمام تردي الوضع الأمني واستفحال ظاهرة الخطف، ويخشى أن تكون الأجهزة الأمنية ضالعة بشكل أو بآخر في عمليات الاختطاف. ولا يستبعد مختصون ذلك، حيث باتت عائلات المخطوفين تستعين بالشرطة خوفاً على حيات ذويهم. وباتت هذه الاتهامات تشكل إحراجا حقيقيا للرئيس المكسيكي فيليب كالدون الذي يقود حملة واسعة ضد عصابات المخدرات في بلاده، منذ توليه السلطة في ديسمبر .2006 ولم يتمكن من تحقيق نتائج إيجابية في حربه ضد الجريمة بسبب سوء أداء الشرطة ونقص المعدات . وتم نشر أكثر من 40 ألف جندي و5000 شرطي على مستوى المكسيك، ولم يسهم هذا الانتشار في تراجع عدد الاختطافات.
وتستفحل ظاهرة الاختطاف في المناطق الحدودية حيث اتخذت العصابات مواقع محصنة، وتستهدف ضحاياها في المدن التي تشهد ازدهاراً لقربها من الولايات المتحدة.
وتقول مصادر رسمية إن ما لا يقل عن 430 مكسيكياً تعرضوا للاختطاف في تلك المناطق في .2007 وارتفع بذلك العدد بنسبة 34٪ عن عام .2006 ويقول خبراء أن هذا العدد أقل بكثير من العدد الحقيقي، لأن المكسيكيين يترددون في الاتصال بالشرطة، بسبب الاعتقاد بأن ضباط الشرطة متواطئون مع الخاطفين، ومن ثم يمكن أن يتسبب اتصالهم بالسلطات في أذى للمخطوفين.
مدينة الموت
تعاني مدينة تيخوانا من ارتفاع نسبة الاختطاف مقارنة ببقية المدن المكسيكية، ويقول مراقبون إنها أسوأ مكان في العالم بعد بغداد. وتم اختطاف واحتجاز مئات الأشخاص في المدن من أجل الفدية، حسب منظمات دعم ضحايا الاختطاف. وعلى الرغم من انتشار آلاف الجنود في المدينة والمناطق المحيطة، لا تزال العصابات الاجرامية تعمل بقوة في تيخوانا. وقد شوهد رجال مدججون بالسلاح يرتدون لباسا يشبه زي الشرطة، يوقفون الناس في المراكز التجارية ومواقف السيارات ويقتادونهم إلى أماكن مجهولة، ثم يحتجرون ضحاياهم في منازل خاصة وهم مقيدون وعلى أعينهم أربطة، ويطالبون أهاليهم بمبالغ مالية معينة.
تقول موريرا، زوجة أحد المخطوفين، «يعتبر الاختطاف من الجرائم الأكثر إيلاما، لأنها تؤذي الضحية بشكل خاص، ثم عائلته وبعدها أصدقاءه». ولحسن حظ زوجها، فقد نجا من الموت، إلا أنه أصيب في أصابعه بجروح بليغة تعافى منها في ما بعد. وفي المقابل، قتل أكثر من 800 مخطوف في المكسيك منذ 1970 حسب الناشط في مجال حقوق ضحايا الجريمة، خوسيه أورتيغا سانشيز. ويضيف «تتمثل مشكلة المكسيك في الفساد وتواطؤ وتآمر السلطات».
سترات واقية
يعرض ميجيل كاباليرو صاحب محل «كاباليرو» في العاصمة المكسيكية متفاخراً سترة من الجلد بنية اللون وأنيقة، اخترقت الرصاصة الطبقة السطحية منها، وظلت البطانة سليمة ولم تخترقها الرصاصة.
ويطلق كاباليرو الرصاص على موظف في المحل، يرتدى سترة واقية من الرصاص من مكان قريب، ليثبت مدى مقاومة السترة للرصاص. وعندما يرغب شخص في الشراء من محل كاباليرو، يتعين عليه أن يحجز موعداً مقدماً.
أسعار السترات الواقية من الرصاص ليست في مقدور العاديين من الناس، حيث تباع السترة مقابل 2000 دولار.
ومنذ عام، يقدم كاباليرو، وهو كولومبي الأصل، السترات الواقية من الرصاص لزبائنه المكسيكيين، لأن الطلب عليها كبير للغاية، بسبب تردي الحالة الأمنية واستفحال الجريمة، بما في ذلك ظاهرة الاختطاف.
ويقول كاباليرو إن الناس تتزايد لديهم الرغبة في حماية أنفسهم، فهناك سيارات واقية من الرصاص، وعمليات اختطاف متعددة ومعدل مرتفع من الجريمة وعدد كبير من الأغنياء، ويمثل ذلك سوقاً مثالية للملابس الواقية من الرصاص. وهو يصنع الصديريات والسترات الواقية من الرصاص، بل والقمصان والتنورات الواقية من الرصاص أيضاً، والسر في هذه المنتجات هو البطانة، وهي صفائح رقيقة مرنة وغير ظاهرة من ابتكار كاباليرو، يمكن أن تتحمل طلقات الرصاص حتى عيار 12 ملليمتراً. والسترات خفيفة الوزن، وتزن الصديرية نحو كيلوغرام، في الوقت الذي تزن فيه نظيراتها في العادة خمسة أضعاف هذا الوزن.
ويود زبائن كاباليرو أن يحموا أنفسهم على نحو غير ظاهر قدر الإمكان، ويقدرون المنتجات خفيفة الوزن، ومن الزبائن الذين يشترون منتجات كاباليرو ملوك ورؤساء دول ورجال أعمال ونجوم الفن .
«لوس انجلوس تايمز» و«فرانس 24» ووكالات