يعيشون داخل كهوف صخرية وتحاصرهم المستوطنات من جميع الاتجاهات

«خربة زنوتا».. 450 فلسطينياً يحافظون على تراث آخر قرية مأهولة جنوب الضفة

صورة

من بين الكهوف الصخرية والأعمدة الرومانية الأثرية، يطلّ المواطن الفلسطيني، عادل الطلّ، على بقعة صغيرة من الأرض الفلسطينية، تقع داخل دائرة مغلقة من المستوطنات، والبؤر الاستيطانية، والمواقع العسكرية الإسرائيلية، ليمارس نشاطاً يومياً، يعدّ ملاذه للحفاظ على ما تبقى من قريته، من معالم حضارية وأراض زراعية.

عادل (32 عاماً)، يداوم بشكل يومي على زراعة أرض عائلته، بكل المحاصيل الزراعية، لتبقى الشاهد الوحيد للأجيال المقبلة على تشبثهم بأرض الآباء والأجداد المغتصبة.

وبعد أن ينتهي من ذلك، يعود عادل ثانية إلى الكهف الذي يعيش فيه وأسرته، ليبث عبر شبكات التواصل الاجتماعي واقع وتفاصيل الحياة اليومية في «خربة زنوتا»، من أجل توثيق تراث آخر قرية سكانية فلسطينية في الضفة الغربية، والحفاظ عليه من مخططات التوسع الاستيطانية.

عادل يقطن في «خربة زنوتا»، التي تعدّ قرية صغيرة، تقع جنوب مدينة الخليل، في آخر نقطة مأهولة بالسكان جنوب الضفة الغربية، يقطنها 450 فلسطينياً، ينتمون لـ30 عائلة، يعيشون داخل كهوف قديمة، أضيفت لها مداخل حجرية وصخرية، حيث يحرمهم الاحتلال البناء فوق أراضيهم المحاطة بالاستيطان من جميع الاتجاهات.

سرد الواقع

يتنقل الفلسطيني عادل بين كهوف «الخربة»، ليسرد للعالم عبر تقنية البث المباشر المتاحة، ضمن وسائل الإعلام الاجتماعي، واقع وفصول معاناة السكان، ليخرج إلى سطح الأرض ثانية، موثقاً تداعيات سلب أراضيهم لمصلحة التوسع الاستيطاني، بينما يحرمون هم من السكن والبناء فوق الأرض.

ويلتقط الطلّ صوراً توثق مآسي المزارعين، جرّاء حرمانهم دخول حقولهم، أو حتى الوصول إليها، نتيجة قربها من المستوطنات، وعشرات الصور لأطفال يلجأون للعيش داخل كهوف الماضي، بعد أن أعدمت إسرائيل حاضرهم، وبدّدت طموحات مستقبلهم بالعيش بحرية وكرامة على أرضهم.

يبقى عادل داخل أراضي «خربة زنوتا»، يتجوّل وهاتفه المحمول بين حقول العنب والزيتون، ناقلاً عن قرب تفاصيل الحياة اليومية للسكان، الذين مازالوا يحافظون على تراث قريتهم، المشهورة بالزراعة ورعي الماشية، ويواظبون على الحياة البدائية البسيطة كما ورثوها عن الأجيال السابقة.

وبينما كان يعد أقراص العجين بواسطة فرن تقليدي مصنوع من الصلصال، يشتهر باسم (الطابون)، يقول عادل، الذي يعمل مديراً للإعلام في المجلس المحلي لـ«خربة زنوتا» لـ«الإمارات اليوم»: «إن جميع سكان (خربة زنوتا) يعيشون الحياة الفلسطينية التقليدية كما ورثناها عن الآباء والأجداد، حيث يفلحون أرضهم، ويرعون ماشيتهم بأيديهم، من أجل تأمين قوت يوم أطفالهم وعائلاتهم من خير أرضهم، وجهد عملهم اليومي».

ويضيف: «داخل كل منزل تجد ما يكفيهم من ثمار أرضهم، ولديهم ما يسد حاجتهم من الطيور وبيضها، ومنتجات الماشية التي نرعاها، كما نمتلك مخزوناً سنوياً من القمح يؤمن احتياجات الجميع على مدار العام، حيث نزرعه ونحصده في الصيف، وفي فصل الشتاء نستخدمه في إعداد الخبز داخل فرن (الطابون) التقليدي، الذي يعدّ أحد أهم مكونات كل بيت فلسطيني منذ الأزل».

ينتقل الطلّ من الغرفة المخصصة لفرن (الطابون) بجانب كهف صخري، ليجلس في الهواء الطلق، ثم يمضي بالقول: «إن جميع مشاهد الحياة اليومية في (زنوتا) بكل تفاصيلها أوثقها كما هي على طبيعتها، وأبثها عبر تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي، ليبقى الجميع داخل فلسطين وخارجها على تواصل دائم مع ثقافتنا وتراثنا، وحتى يبقى التاريخ يذكر قريتنا (زنوتا) على مر الأزمنة والعصور».

وإلى جانب عادل، يحرص جميع سكان «زنوتا» على حماية تراث قريتهم الأثرية الزاخرة بالآثار الرومانية، من خلال الوجود فوق أرضهم، والزراعة في حقولها، والعيش في كهوف تعود إلى العصر الروماني، والمداومة على العادات والتقاليد التراثية في تفاصيل حياتهم اليومية.

تطويق استيطاني

داخل «خربة زنوتا» الأثرية البالغة مساحتها 12 ألف دونم، تنعدم مظاهر الحياة اليومية للسكان الفلسطينيين، وحرمانهم مقومات البقاء والصمود، وذلك بفعل رفض القوات الإسرائيلية السماح لهم بإنشاء خطة هيكلية لقريتهم، وحرمانهم من التوسع والبناء فوق أرضهم، وذلك بحسب الطلّ.

ويقول مدير الإعلام في مجلس «زنوتا» المحلي: «إن (زنوتا) هي آخر منطقة فلسطينية يقطنها السكان، وهو ما يجعل مشاهد الاستيطان والحرمان واضحة جلية، فنحن نمنع من توفير خطوط الماء والكهرباء، وشبكات البنى التحتية، وعلى بُعد أمتار من كهوف أهالي الخربة تقيم إسرائيل مستوطناتها ومواقعها العسكرية على أراضي الفلسطينيين في (زنوتا)، التي استولت عليها على مدار السنوات الماضية، ولم يتبق للسكان سوى 4000 دونم للسكن والزراعة».

وبحسب الطلّ، يحد الشارع الالتفافي الاستيطاني الخربة من جهتها الغربية، ويحاصرها من الجهة الشرقية المنطقة الصناعية الاستيطانية، وجدار الفصل العنصري من الجهة الجنوبية، ومن الجهة الشمالية للخربة الأثرية تطوقها مستوطنات: «ميتاريم» و«تيما» و«شمعة».

من جهة ثانية، يقول رئيس المجلس المحلي لـ«خربة زنوتا»، فايز الطلّ: «يواجه سكان (خربة زنوتا) داخل كهوف العصر الروماني خطر الطرد والتهجير من أرضهم من جديد، حيث صودرت مساحات شاسعة من أراضيهم المترامية بين مستوطنتي (شمعة) و(ميتاريم)، وضمت إلى البؤر الاستيطانية الثلاث الجديدة التي أقامها الاحتلال على أراضي الفلسطينيين في (الخربة) الأثرية، خلال شهرين منتصف عام 2021».

ويبيّن أن البؤر الاستيطانية الجديدة أضافها الاحتلال إلى حدود مستوطنة «شمعة» الجاثمة منذ 30 عاماً على أراضي الفلسطينيين، وتتصل مع جدار الفصل العنصري، والشارع الاستيطاني الالتفافي، ومقطع آخر من الجدار من الجهة الجنوبية لـ«زنوتا».

ويضيف: «بعد أن بسطت البؤر الاستيطانية الجديدة هيمنتها على أراضي الفلسطينيين، أحكم الاحتلال الخناق على مصدر رزق السكان الوحيد، حيث أصدر قراراً يمنع رعي الماشية في محيط تلك البؤر».

• سكان «زنوتا» يعيشون الحياة الفلسطينية التقليدية كما ورثوها عن الآباء والأجداد، إذ يفلحون أرضهم، ويرعون ماشيتهم لتأمين قوت أطفالهم وعائلاتهم.

• يواجه سكان «خربة زنوتا» داخل كهوف العصر الروماني خطر الطرد والتهجير من أرضهم من جديد، حيث صودرت مساحات شاسعة من أراضيهم المترامية بين مستوطنتي «شمعة» و«ميتاريم»، وضمت إلى البؤر الاستيطانية الثلاث الجديدة، التي أقامها الاحتلال على أراضي الفلسطينيين في «الخربة» الأثرية، خلال شهرين منتصف عام 2021 .

تويتر