عالم سياسي: الحرب في العراق كشفت أخطاء جسيمة في التفكير الاستراتيجي الأميركي

شهدت الآونة الأخيرة اندلاع مواجهات بين الحين والآخر في العراق وسورية بين القوات الأميركية والميليشيات المختلفة التي تدعمها إيران. وترجع هذه المواجهات في حقيقة الأمر إلى خطأ أساسي في التصميم الخاص بالحرب، وتعتبر استمرارا له، حسبما يرى العالم السياسي الأميركي بجامعة أوهايو جون مولر.

ويقول مولر، وهو أحد كبار الباحثين في معهد كاتو الأميركي، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال انتريست» الأميركية إنه كان ينبغي أن يكون هذا واضحا للمحرضين على تلك الحرب، حتى قبل شنها في عام 2003.

وأوضح مولر أن هناك دراسة موسعة للجيش الأميركي تؤكد أن«الغالبية العظمى من القرارات في حرب العراق اتخذها قادة أذكياء للغاية، ومحنكين بدرجة كبيرة». ومع ذلك تخلص الدراسة إلى أن«الفشل في تحقيق أهدافنا الاستراتيجية» نابع من تفكير ينطوى على «أوجه قصور منهجية» أبرزها أنه «بدا أن القادة الأميركيين كانوا يعتقدون أن الدول الأخرى في المنطقة لن يكون لها رد فعل».

وكان الرئيس جورج دبليو. بوش الذي تبنى لدى توليه الرئاسة اتباع سياسة خارجية متواضعة، قام فجأة بتغيير هذا المسار في أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001، في الولايات المتحدة، فقد أعلن أن «مسؤولية بلاده تجاه التاريخ» أصبحت الآن هي «تخليص العالم من الشر».

وبعد أشهر قليلة، أعلن بوش أنه رغم افتراض وجود الشر في كل مكان، هناك «محور» خاص، يكمن أساسا في كوريا الشمالية، وإيران، والعراق.

ويقول مولر إن إيران أدركت تماما أنها في مأزق، وكذلك سورية، التي بدت أحيانا مدرجة على قائمة الأهداف التي يعرضها بوش وزمرة قياداته من المحافظين الجدد بصورة شبه يومية.

وزيادة في التأكيد، اقترح المستشار العسكري ريتشارد بيرل بعد وقت قصير من غزو العراق ضرورة إيصال رسالة مقتضبة إلى النظم العدائية الأخرى في المنطقة مفادها:«الدور عليكم».

وبالتالي أصبح من الواضح أنه من مصلحة إيران وكوريا الشمالية العمل معا عن قرب، وتوفير الحماية للأصدقاء في العراق لجعل تواجد الأميركيين هناك تعيسا إلى أبعد الحدود.

ومن ناحية أخرى، انسحبت كوريا الشمالية، التي تتعرض للتهديد، من معاهدة حظر الانتشار النووي، وكرست جهودها للحصول على أسلحة نووية لردع أي هجوم أميركي.

وبالإضافة إلى إيران وسورية، تم اجتذاب عناصر خارجية أخرى إلى العراق، كرست جهدها لتعكير صفو تواجد المحتل هناك، وقتل قواته. وبوجه خاص، أصبح أبو مصعب الزرقاوي، وهو أردني تعاطف مع أيدولوجية تنظيم القاعدة وأجندته، قائدا لجيش يضم آلاف الإرهابيين الذين سخروا حياتهم لارتكاب أعمال وحشية.

وربما كان ارتباط الزرقاوي بالقاعدة سببا في اجتذاب مجندين جدد والحصول على الدعم المالي واللوجيستي. واستفاد الزرقاوي أكثر من خلال استخدام الجنود الأميركيين أكبر قدر من العنف في العراق ضد قواته.

ومع ذلك، فإن الأعمال الوحشية الطائشة التي ارتكبتها قوات الزرقاوي- مثل أعمال قطع الرؤوس في المساجد، وتفجير الملاعب، والاستيلاء على المستشفيات، وإعدام مواطنين عاديين، والزواج القسري- كانت في نهاية الأمر بمثابة تدمير للذات، وأدت إلى إنقلاب العراقيين ضد هذه القوات.

واستطاع الجيش الأميركي، مستفيدا من ذلك، السيطرة إلى حد ما على الحرب الأهلية في العراق بحلول عام 2009. ولكن الحملة التي تم تحقيق ذلك من خلالها أسفرت عن مقتل ألف أميركي، أي سبعة أمثال العدد الذي فقدته الولايات المتحدة في غزو العراق عام 2003.

ويقول مولر إن هزيمة قوات الزرقاوي تمت في نهاية الأمر، لكن ذلك لم يتحقق إلا بعد تكبيد الأميركيين خسائر فادحة.

من ناحية أخرى، كانت إيران، وما زالت، عنصر مضايقة، يدفعها إلى ذلك الآن أيضا الاستياء إزاء العقوبات المفروضة عليها.

وفي عام 2010، أوضح مقدمو الإحاطات للقادة العسكريين الأميركيين في أفغانستان أنه من المعروف أنه لم تنجح في أي وقت من الأوقات أي محاولة ضد التمرد عندما يلجأ المتمردون إلى ملاذ آمن عميق عبر الحدود.

 ورغم أنهم أضافوا أنهم يأملون في أن يكون الوضع في أفغانستان مختلفا، لم يثبت حدوث ذلك بعد أكثر من عقد من تصريحاتهم.

ويؤكد مولر في ختام تقريره أن التجربة ذات الصلة في العراق تشير إلى أن مقدمي الإحاطات كانوا على حق تماما. وإذا كانت الولايات المتحدة لا تريد خوض حرب شاملة بصورة مباشرة ضد إيران- وهو ما قد يسفر عن كارثة أخرى في الشرق الأوسط- من الممكن أن يستمر الإيرانيون على ما هم عليه إلى الأبد.

الأكثر مشاركة