البراءة لمبارك في قضية فساد
قررت محكمة مصرية، أمس، إخلاء سبيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بعد قبول تظلمه ضد قرار حبسه في قضية كسب غير مشروع، لكنه سيظل حبيس السجن على ذمة قضايا اخرى. وفيما خيم الهدوء أمس على وسط القاهرة، غداة اشتباكات عنيفة بين انصار ومعارضين للرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين، التي ينتمي اليها، اعلن مجلس إدارة نادي القُضاة عن عقد اجتماع غير عادي الأربعاء المقبل، لبحث تداعيات ما وصفته مصادر قضائية بمحاولات هدم القضاء والتطاول عليه.
وفي التفاصيل، قال مصدر قضائي لوكالة فرانس برس، ان محكمة جنح مستأنف مدينة نصر، قررت قبول التظلم المقدم من الرئيس السابق حسني مبارك على قرار حبسه الصادر من جهاز الكسب غير المشروع وإخلاء سبيله. لكن محاميه فريد الديب، قال لـ«فرانس برس»: «مبارك سيظل محبوساً على ذمة قضية اخرى، ونحن نعالجها».
ووجهت اتهامات الى مبارك في ثلاث قضايا، قضية قتل المتظاهرين، وقضيتي فساد، والقضية التي قررت المحكمة اخلاء سبيلة فيها على ذمة التحقيقات تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ وتضخم ثروته.
وكانت محكمة مصرية افرجت عن مبارك بضمان محل اقامته، الاثنين الماضي، في قضية قتل المتظاهرين، بعد انتهاء الحد الاقصى لمدة الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون، وهي سنتان.
لكن مبارك لايزال في السجن بعدما قررت النيابة العامة قبل اسبوعين حبسه 15 يوماً احتياطياً على ذمة قضية القصور الرئاسية. وتتهم النيابة مبارك في هذه القضية بتبديد الأموال المخصصة سنوياً للانفاق على القصور الرئاسية.
وعقدت هيئة محكمة استئناف شمال القاهرة جلستها داخل مكتب مأمور سجن مزرعة طرة، الذي نقل اليه مبارك، الخميس، بعد صدور قرار من النائب العام المصري بإعادته الى السجن من المستشفى العسكري الذي كان يعالج فيه منذ ديسمبر الماضي.
وقال مصدر امني لـ«فرانس برس»، ان عقد هيئة المحكمة جلستها في السجن لنظر قضية او حبس سجين حالة نادرة وتحدث لاول مرة.
وفرضت الشرطة إجراءات امنية مشددة حول سجن طرة اثناء انعقاد المحكمة. وفي يونيو 2012 حكم بالسجن مدى الحياة على مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، لإدانتهما بالمسؤولية عن مقتل متظاهرين اثناء ثورة 2011، التي بلغت حصيلة قتلاها نحو 850 شخصاً. لكن محكمة النقض قبلت في يناير الماضي الطعن الذي تقدم به مبارك وأمرت بإعادة محاكمته امام دائرة اخرى لمحكمة الجنايات.
وبدأت اعادة المحاكمة، السبت الماضي، لكن رئيس المحكمة تنحى عن نظرها لاستشعاره الحرج، كونه سبق ان اصدر أحكاماً بالبراءة في القضية المعروفة اعلامياً بموقعة الجمل، وأصبحت لديه بالتالي وجهة نظر مسبقة في وقائع القضية.
وحددت محكمة استئناف القاهرة يوم 11 مايو موعداً لبدء محاكمة جديدة للرئيس المصري السابق في قضايا قتل المتظاهرين وقضايا فساد.
من جهة أخرى، عادت حركة المرور بمنطقة الاشتباكات، صباح امس، الى طبيعتها وان بقيت المحال مغلقة وآثار اشتباكات الجمعة حاضرة.
وسجلت وزارة الصحة المصرية 82 اصابة في صفوف المتظاهرين في اشتباكات القاهرة، بالاضافة الى خمس إصابات اخرى جراء اشتباكات محدودة في مدينة الاسكندرية الساحلية (شمال البلاد) والدقهلية (وسط الدلتا)، حسبما نقلت وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية. وقال رئيس هيئة الاسعاف المصرية، ان هناك اصابات بالخرطوش. وقال مصدر امني للوكالة ذاتها، ان «الأجهزة الأمنية ضبطت 19 متهماً من مثيري الشغب خلال احداث الجمعة»، واضاف ان ثلاثة من المتهمين متورطون في احراق احدى حافلات نقل المتظاهرين.
وكتبت صحيفة المصري اليوم المستقلة، صباح امس، في عنوانها «الخرطوش مع الجميع في تظاهرات ذبح القضاء». فيما قالت صحيفة الوطن المستقلة ذات السياسة التحريرية المعارضة «مصر مع القضاء ضد الإخوان». لكن صحيفة اخبار اليوم المملوكة للدولة قالت «البلاك بلوك يهاجمون الاخوان بالخرطوش والمولوتوف».
واندلعت الاشتباكات عندما توجه متظاهرون من معارضي مرسي بعد صلاة الجمعة من ميدان التحرير باتجاه شارع رمسيس المجاور، حيث احتشد الآلاف من انصار جماعة الاخوان في تظاهرة اطلقوا عليها «جمعة تطهير القضاء»، على خلفية الازمة بين «الاخوان» والقضاء.
واستخدمت في هذه الاشتباكات العنيفة الحجارة وزجاجات المولوتوف، كما اطلقت قنابل دخان يدوية الصنع من قبل متظاهرين لم يعرف الى اي طرف ينتمون، وسمع دوي طلقات خرطوش (تطلق من بنادق صيد)، في حين لم تكن الشرطة موجودة في المنطقة عندما بدأت الصدامات.
ودعت جماعة الاخوان الى هذه التظاهرة امام مقر دار القضاء العالي (مقر النائب العام ومحكمة النقض) للمطالبة بتطهير القضاء الذي اصدر احكاماً عدة ضد قرارات الرئيس مرسي منذ توليه الحكم في نهاية يونيو الماضي، من بينها خصوصاً حكم صدر الشهر الماضي بعودة النائب العام السابق عبدالمجيد محمود الى منصبه، بعد ان عزله الرئيس في نوفمبر الماضي، وعين بدلاً منه المستشار طلعت عبدالله.
وتشهد مصر منذ هذا القرار ازمة سياسية حادة اسفرت عن سقوط قتلى وجرحى نتيجة تجدد الاشتباكات بين انصار مرسي ومعارضيه بين الفترة والاخرى.
وتعاني مصر أيضاً وضعاً اقتصادياً خانقاً، اثر تراجع عائدات السياحة والاستثمار الاجنبي منذ الانتفاضة الشعبية التي اسقطت الرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير 2011.
واحتج مجلس القضاء الأعلى (الهيئة العليا الممثلة رسميا للسلطة القضائية في مصر)، على تظاهرة الجمعة المطالبة بـ«تطهير القضاء»، معتبرا أنها إساءة بالغة للسلطة القضائية. وأضاف «هي واقعة غير مسبوقة، وتحمل إساءات بالغة إلى السلطة القضائية، وجموع القضاة في مصر».
من جهة أخرى، يعقد مجلس إدارة نادي القُضاة في مصر اجتماعاً غير عادي، الأربعاء المقبل، لبحث تداعيات ما وصفته مصادر قضائية بمحاولات هدم القضاء والتطاول عليه. وقرَّر مجلس إدارة نادي القضاة المصري توجيه الدعوة لعقد جمعية عمومية غير عادية، لقضاة مصر الأربعاء المقبل، بمقر دار القضاء العالي بوسط القاهرة، برئاسة رئيس النادي المستشار أحمد الزند.
وقالت مصادر قضائية متطابقة إن الجمعية العمومية لنادي القُضاة ستناقش أبعاد وتداعيات الحملات التي تدبر لمحاولة هدم السلطة القضائية والتطاول عليها والنيل من أعضائها، وكذلك مناقشة مشروع قانون السلطة القضائية المعروض على مجلس الشورى حالياً، الذي يمثل اعتداء على استقلال القضاء وانتقاصاً من سلطاته.
وأضافت المصادر أن الجمعية العمومية ستبحث أيضاً سُبُل تنفيذ الحكم القضائي الصادر أخيراً من دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة ببطلان تعيين النائب العام الحالي المستشار طلعت عبدالله باعتباره حُكماً واجب النفاذ.