اليمن يقف على مفترق طرق عقب مقتل صالح

لم تمرّ ساعات معدودة على إعلان الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، إنهاء تحالفه مع الحوثيين، والسيطرة على العاصمة صنعاء، حتى قامت الميليشيات الحوثية بتصفيته جسدياً.

ويُعد مقتل صالح بمثابة نقطة تحول مهمة في الصراع الأهلي الدائر في اليمن، حيث ترتب عليه انهيار كامل لتحالف الحوثيين مع أنصار صالح في حزب المؤتمر الشعبي، وإعلان القبائل المؤيدة له عزمها التحرك ضد الحوثيين، بالتوازي مع تكثيف القوات اليمنية وقوات التحالف العربي عملياتها، لاستعادة العاصمة صنعاء، وهو ما يعني فرض حصار كامل على الحوثيين من معظم القوى والتيارات اليمنية.


تغير التوازنات الميدانية

يمكن القول إن قيام الحوثيين بقتل علي عبدالله صالح سيترتب عليه تغير جذري في التوازنات الميدانية لغير مصلحة ميليشيات الحوثيين، وهو ما قد يترتب عليه فقدانهم السيطرة على العاصمة صنعاء، وارتدادهم باتجاه مناطق تمركزهم الأساسية في صعدة في شمال اليمن. في المقابل، فإن الميليشيات الحوثية ستزيد من عمليات القمع والتصفية الجسدية لأعضاء حزب المؤتمر وأنصار صالح، إضافة إلى عمليات التهجير، وهدم المنازل، واستهداف المدنيين، لتعزيز هيمنتها على صنعاء.

- أدى تصريح صالح، في ديسمبر 2017، إلى التعجيل بقرار تصفيته، حيث دعا أتباعه وقوات الجيش والأمن إلى عدم تنفيذ أوامر قيادة ميليشيات الحوثي، ومقاومتها في كل منطقة، باعتبارها عاثت في الأرض فساداً لثلاث سنوات.

- يحتمل أن يؤدي مقتل صالح إلى اختلال التوازنات الداخلية، وانفراد جماعة الحوثي بالسلطة في المناطق الخاضعة لها، معتمدة في ذلك على القوة المفرطة ضد كل خصومها، وستقوم قيادات حزب المؤتمر بترتيب أوراقها من جديد، ومحاولة تعويض الخسائر التي تسبب بها التحالف مع الحوثيين.

تحولات ضاغطة

فَقَدَ الرئيس السابق علي عبدالله صالح جزءاً كبيراً من نفوذه قبل مقتله، حيث تم تجريده من قوته العسكرية من خلال تشتيت ألوية الحرس الجمهوري، وتوزيعهم على جبهات الحرب، وفصل قياداتهم المركزية، وإلحاقها بقيادات الجبهات تحت إمرة قيادات حوثية، كما تمت ملاحقة عدد كبير من أعوانه، والتضييق عليهم، دون أن يتخذ صالح وحزبه أي إجراءات لحمايتهم، وهو ما دل بوضوح على تراجع قدراته وتأثيره.

ولعل المثال الأبرز في هذا الصدد قيام الحوثيين بالاعتداء على نجله «صلاح»، وقتل مرافقه الشخصي، العقيد خالد الرضي، وذلك في أغسطس 2017، كما قام الحوثيون بالهجوم على منزل العميد طارق صالح، نجل شقيقه في مطلع ديسمبر 2017، وهو ما أدى إلى مقتل ثلاثة من حراسه الشخصيين، وقد هدد الحوثيون بقتل صالح بشكل علني أكثر من مرة، ووصفوه بعددٍ من الألفاظ النابية والمسيئة لشخصه ولأسرته.

وعلى الرغم من هذا، فإن صالح كان يحرص في كل لقاء تلفزيوني على تأكيد أنه لا خلاف بينه وبين الحوثيين، وهو ما رآه بعض اليمنيين تخاذلاً منه، وضعفاً في مواجهتهم. ويبدو أن صالح قد غاب عنه أن جماعة الحوثي لم تنسَ مقتل قائدها، حسين بدر الدين الحوثي، الذي تم قتله في مواجهات مع الجيش عام 2004، ولهذا قامت ميليشيات الحوثي بتصفية صالح بالأسلوب ذاته الذي قُتل به قائدها.

وقد أدى تصريح صالح، في ديسمبر 2017، إلى التعجيل بقرار تصفيته، حيث دعا أتباعه وقوات الجيش والأمن إلى عدم تنفيذ أوامر قيادة ميليشيات الحوثي، ومقاومتها في كل منطقة، باعتبارها عاثت في الأرض فساداً لثلاث سنوات، وتسببت في ما يحدث للشعب من تجويع وقتل وتشريد وحصار، ثم إعلانه فك التحالف بينهما، ويبدو أن صالح لم يكن مدركاً حالة الضعف التي يُعاني منها هو وأتباعه، وخروجه من المشهد السياسي.

اختلال التوازنات

يحتمل أن يؤدي مقتل صالح إلى اختلال التوازنات الداخلية، وانفراد جماعة الحوثي بالسلطة في المناطق الخاضعة لها، معتمدة في ذلك على القوة المفرطة ضد كل خصومها، وستقوم قيادات حزب المؤتمر بترتيب أوراقها من جديد، ومحاولة تعويض الخسائر التي تسبب بها التحالف مع الحوثيين. ومن الجدير بالذكر، أن معظم قيادات المؤتمر وقواعده كانوا غير راضين بتاتاً عن هذا التحالف، الذي أدى إلى إقصاء عدد كبير من قياداتهم، وسيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة، وقيامهم بإدارتها بشكل غير دستوري، بيد أن من المتوقع أن تمتد هذه الفترة بعض الشيء، حيث سيسعى الحوثيون للنيل من أعضاء حزب المؤتمر.

وقد يحاول بعض أعضاء حزب المؤتمر حشد الصفوف ضد الحوثيين، خصوصاً أنهم أكبر شريحة مجتمعية عانت من تضييق الحوثيين، إضافة إلى خبرة قيادات حزب المؤتمر الطويلة في الحكم، وإدارة مؤسسات الدولة لمدة لا تقل عن 33 عاماً، وقد استمروا في هذه المؤسسات في عهد السلطة الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، ولم يتم إقصاؤهم إلا بواسطة الحوثيين، بعد أن استبدلوهم بقيادات حوثية، يضاف إلى هذا رغبة بعض أعضاء حزب المؤتمر في الثأر لصالح، لاسيما أن بعضهم كان يراه زعيماً وقائداً ملهماً.

أما قوات الحرس التي كانت موالية لصالح، فقد واجهت قياداتها العسكرية عملية إذلال غير مسبوقة من قبل الحوثيين، أدت إلى انتقالهم من معسكراتهم، والاعتكاف في منازلهم، بعد تجريدهم من حقوقهم المادية والمعنوية، فيما تخلى بعضهم عن ولائه لوحدته العسكرية وقيادته، وانضم إلى صفوف الحوثيين.

السيناريوهات المُحتملة

توجد ثلاثة سيناريوهات محتملة في مرحلة ما بعد صالح، تتمثل فيما يلي:

1 - سيناريو السيطرة الحوثية:

قد تنفرد ميليشيات الحوثي بالسلطة من خلال الإفراط في استخدام القوة القهرية، واتباع أسلوبهم المعتاد في الإعدامات، وهدم المنازل، وتهجير الأسر، ومن المحتمل أن يُجبر الحوثيون المواطنين على التوجه إلى الجبهات بالقوة، وهو ما سيطيل أمد الأزمة.

2 - سيناريو المقاومة الشعبية

يحتمل أن يقوم بعض أعضاء حزب المؤتمر بتشكيل خلايا مقاومة على مستوى كل منطقة، بعد الإعلان عن قيادة موحدة لمقاومة الحوثيين والانتقام لزعيمهم، مع الاستعانة بالقيادات العسكرية والأمنية التي تضررت من سيطرة الحوثيين، وتعرضت بسببهم للإقصاء من المشهد السياسي، وبالتحالف أيضاً مع بعض فئات الشعب التي لحقها الأذى من أساليب الحوثيين في فرض الإتاوات، تحت مسميات دينية مختلفة، أو تحت زعم دعم المجهود الحربي، ويأتي على رأس الفئات المتضررة موظفو القطاع الحكومي، وأفراد الجيش والأمن، الذين تم حرمانهم من مرتباتهم لمدة عام كامل، ما أدى إلى شيوع التذمر والامتعاض بينهم، وفي حال حدوث حراك منظم من قبل القوات الأمنية المدربة بشكل جيد ضد الحوثيين، فإن هذا سيؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوفهم.

3 - سيناريو عمليات الثأر

قد تفضل قيادات حزب المؤتمر التنسيق مع قوات الشرعية، والإعلان عن ولائها لها، واستعدادها للقتال تحت رايتها، وهو ما قد يدفع القيادات العسكرية والأمنية للقيام بالمثل، خصوصاً أن قيادات حزب المؤتمر ترغب في الثأر بأي وسيلة بعد إعدام الحوثيين لكثير من مشايخ المؤتمر، الذين ينتمي بعضهم إلى قبائل طوق صنعاء، وربما تسعى هذه القبائل للتعاون مع قوات الشرعية، ما يُرجِّح ميزان القوى لمصلحتهم في صنعاء، وفي حال حدوث هذا السيناريو، فإن هذا يُعد إيذاناً بالقضاء النهائي على الحوثيين.

الأكثر مشاركة