مدنيون ومقاتلون لدى وصولهم من حرستا بالغوطة الشرقية إلى جنوب إدلب. إي.بي.أيه

اتفاق ثانٍ لإخراج مدنيين ومقاتـلين من الغوطة الشرقية بعد غارات دامية

تعرضت الفصائل المعارضة لنكسة في الغوطة الشرقية، معقلها الأساسي قرب دمشق، مع استكمال خروج مقاتلين من مدينة حرستا، واتفاق ثانٍ لإجلاء آخرين من بلداتها الجنوبية. وخلال حملة عسكرية مستمرة منذ أكثر من شهر، تمكنت قوات النظام من تضييق الخناق بشدة على الفصائل المعارضة، بعد تقسيم المنطقة إلى ثلاثة جيوب منفصلة، ما دفع بمقاتلي المعارضة إلى القبول بالتفاوض. في الأثناء أعلنت الأمم المتحدة أن نحو 170 ألف شخص فروا، إثر الهجوم الذي قادته تركيا على مدينة عفرين السورية.

وتفصيلاً، أعلن التلفزيون الرسمي للنظام السوري، أمس، التوصل إلى اتفاق مع «فيلق الرحمن» الذي يسيطر على جنوب الغوطة الشرقية، يبدأ تنفيذه صباح اليوم، ويقضي بإخراج مقاتلين مع عائلاتهم من عدد من البلدات والأحياء. وأكد «فيلق الرحمن» حصول الاتفاق.

واستكمل، أمس، خروج الدفعة الثانية من مقاتلي حركة أحرار الشام ومدنيين من مدينة حرستا، التي عزلتها قوات النظام في غرب الغوطة. وتم التفاوض على اتفاق الإجلاء بين الفصيل المعارض وروسيا.

وبعد اتفاقي حرستا والجنوب، لايزال مصير مدينة دوما شمالاً، التي يسيطر عليها «جيش الإسلام»، الفصيل الأقوى في الغوطة، غير معروف، مع استمرار المفاوضات فيها مع الجانب الروسي.

ولليوم الثاني على التوالي، تجمعت منذ صباح أمس، تباعاً، حافلات محملة بالمقاتلين والمدنيين في منطقة تماس عند أطراف المدينة، بانتظار اكتمال القافلة قبل أن تنطلق باتجاه إدلب، وفق ما شاهد مراسل لـ«فرانس برس» في المكان.

وقال رئيس المجلس المحلي في حرستا، حسام البيروتي، لـ«فرانس برس» عبر الهاتف من بيروت، إن «مشهد الناس مبكٍ فعلاً، خرجوا من تحت الركام، خرجوا من أقبية دفنوا فيها من دون أكل أو خدمات، خرجوا للحياة من جديد، رغم شعورهم بالخذلان من المجتمع الدولي».

وقال مصدر عسكري لـ«فرانس برس»، إن «الجيش يتسلّم حالياً الأسلحة المتوسطة والثقيلة من حركة أحرار الشام».

وخرجت الخميس الماضي، دفعة أولى تضم 1580 شخصاً، بينهم 413 مقاتلاً من مدينة حرستا، ووصلت بعد رحلة استغرقت ساعات طويلة إلى محافظة إدلب.

وقال أبومحمد مدني، بعد وصوله إلى مخيم في شمال إدلب «كان وضعنا مأساوياً جداً.. لا نستطيع العيش فوق الأرض.. حرقوا الأرض، ولا أكل ولا شرب، حتى الشعير لم نعد نجده».

ويبدو أن المشهد ذاته سيتكرر قريباً في بلدات جنوب الغوطة. وأعلن التلفزيون الرسمي السوري التوصل إلى اتفاق يبدأ تنفيذه صباح اليوم.

وقال المتحدث باسم الفصيل وائل علوان، على صفحته على خدمة «تلغرام»، «بعد الصمود الأسطوري.. توصل (فيلق الرحمن) بعد مفاوضات مباشرة مع الروس» إلى الاتفاق.

ويقضي الاتفاق، وفق التلفزيون الرسمي، «بنقل نحو 7000 شخص من المسلحين وعائلاتهم من زملكا وعربين وعين ترما»، فضلاً عن أجزاء من حي جوبر الدمشقي المحاذي لها، وذلك «بعد تسليم السلاح الثقيل والمتوسط، وخرائط الأنفاق».

وبعدما كان كرّر مراراً رفضه الإجلاء، أعلن فصيل فيلق الرحمن، الخميس، وقفاً لإطلاق النار في مناطق سيطرته، لإفساح المجال أمام «مفاوضات نهائية» للتوصل إلى حل ينهي «المعاناة» و«الوضع الإنساني الكارثي»، مع انتشار «القمل والجرب» في الأقبية.

وتشن قوات النظام منذ 18 فبراير الماضي، هجوماً عنيفاً على الغوطة الشرقية، تمكنت خلاله من السيطرة على أكثر من 80% من المنطقة.

وقبل التوصل إلى الاتفاق، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 70 شخصاً في القصف على بلدات جنوب الغوطة.

وبين هؤلاء 37 مدنياً قتلوا بغارات روسية على بلدة عربين، وفق مدير المرصد رامي عبدالرحمن، الذي أوضح أن «القصف الروسي بالغازات والقنابل الحارقة، تسبب في مقتل هؤلاء المدنيين في الأقبية حرقاً أو اختناقاً»، ومشيراً إلى أن فرق الإنقاذ لم تتمكن من انتشالهم سوى في وقت لاحق خلال الليل.

واستهدف القصف بالقنابل الحارقة مناطق عدة في الغوطة خلال الليل، تضمنت أيضاً مدينة دوما.

وتحت ضغط القصف الجوي، تجري حالياً مفاوضات بين روسيا ومسؤولين في مدينة دوما، وفق اللجنة المدنية المعنية بالمحادثات، التي لم يؤكد فصيل جيش الإسلام مشاركته فيها.

ووفق مدير المرصد رامي عبدالرحمن، قد تؤدي المفاوضات في دوما إلى اتفاق يقضي بتحويلها إلى منطقة «مصالحة» بعودة مؤسسات الدولة إليها، وبقاء مقاتلي «جيش الإسلام» من دون دخول قوات النظام.

وتتواصل منذ أيام عدة حركة نزوح جماعي من مدينة دوما، عبر معبر الوافدين شمالاً، أحد المعابر الثلاثة التي حددتها قوات النظام للراغبين في الخروج من مناطق سيطرة المعارضة.

ودفع القصف والمعارك أكثر من 87 ألف مدني للنزوح منذ 15 مارس الجاري باتجاه مناطق سيطرة قوات النظام، وبقي أكثر من 30 ألفاً في منازلهم في بلدات في جنوب الغوطة سيطر عليها الجيش، وفق المرصد السوري. وارتفعت حصيلة القتلى في الغوطة الشرقية إلى 1630 مدنياً، بينهم أكثر من 320 طفلاً، خلال شهر.

وفي جنيف، أعلنت الأمم المتحدة، أمس، أن نحو 170 ألف شخص فرّوا إثر الهجوم الذي قادته تركيا على مدينة عفرين السورية، مشيرة إلى الظروف المروعة التي يواجهها هؤلاء.

وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يانز لاركي للصحافيين، إن «التقديرات تشير حالياً إلى أن 167 ألف شخص نزحوا جراء الأعمال العدائية في منطقة عفرين».

وأوضح أن معظم الفارين هربوا إلى بلدة تل رفعت القريبة.

من جهتها، أكدت منظمة الصحة العالمية أنها أرسلت عيادات متنقلة، وإمدادات صحية إلى المناطق التي تستضيف النازحين من عفرين، محذرة من نقص الخدمات الصحية في المدينة.

وقالت ممثلة المنظمة في سورية اليزابيث هوف، في بيان، إن «الأطفال والنساء والرجال قاموا برحلات مروعة للفرار من عفرين، وهم بحاجة إلى مساعدة صحية عاجلة. التقى موظفونا مدنيين تحدثوا عن سيرهم 36 ساعة للوصول إلى مناطق أكثر أماناً».

بدورها، أفادت الناطقة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ماريكسي مركادو، أن الأشخاص الواصلين إلى ملاجئ في بلدة نبل، تحدثوا عن «هربهم من القصف، ونومهم في العراء، وفصلهم عن عائلاتهم».

وسيطرت قوات تركية وفصائل موالية لها من المعارضة السورية على مدينة عفرين، التي يشكل الأكراد غالبية سكانها، منتزعة إياها من قبضة وحدات حماية الشعب الكردية. وأطلقت أنقرة حملتها ضد وحدات حماية الشعب الكردية في يناير، متهمة المجموعة بالتحالف مع حزب العمال الكردستاني.

وقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان عدد النازحين من عفرين بنحو 250 ألفاً، فيما أفاد أن عشرات المدنيين قتلوا جراء المعارك، إضافة إلى نحو 1500 مقاتل كردي. وبحسب لاركي، يقدر أنه لايزال هناك بين 50 و70 ألف مدني داخل المدينة، حيث الوضع الصحي صعب كذلك، وفق منظمة الصحة العالمية، التي أشارت إلى أن مستشفى واحداً من أصل أربعة يعمل فيه.

الأكثر مشاركة