الحكم بعدم جواز الدعوى في اتهام مبارك بقتل متظاهرين.. وبــــراءة العادلي

قضت محكمة جنايات القاهرة، أمس، بعدم جواز الدعوى بمقاضاة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، في قضية قتل المتظاهرين خلال الاحتجاجات الشعبية التي أنهت حكمه قبل أربعة أعوام، وقضت ببراءته ونجليه في قضية بيع الغاز لإسرائيل، كما قضت المحكمة ببراءة وزير الداخلية حبيب العادلي، وستة من معاونيه في القضية ذاتها.

وتفصيلاً، قال القاضي محمود الرشيدي، في ما يتعلق باتهام مبارك بالاشتراك في جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار للمتظاهرين «حكمت المحكمة حضورياً بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية المقامة ضد حسني مبارك، يوم 24 ــ 5 ــ2011، في هذا المقام لسبق صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله من النيابة العامة يوم 23 ــ 3 ــ2011».

ويعني ذلك أن المحكمة أسقطت عن مبارك تهمة التآمر للقتل التي كانت موجهة إليه بعد مقتل مئات المتظاهرين خلال ثورة 2011. كما برّأت المحكمة مبارك من تهم الفساد خصوصاً في إطار بيع غاز طبيعي مصري لإسرائيل بأسعار اقل من السوق، إلا ان مبارك سيبقى في السجن، لأنه يمضي حالياً عقوبة بالسجن ثلاث سنوات في اطار قضية فساد أخرى.

وقالت لجنة لتقصي الحقائق شكلتها الحكومة في عام 2011، إن عدد القتلى خلال الانتفاضة يصل إلى نحو 850 قتيلاً، فضلاً عن آلاف الجرحى على مستوى محافظات الجمهورية أغلبهم من المتظاهرين، وبينهم عدد من رجال الشرطة وسجناء قتلوا خلال اقتحام عدد من السجون.

وقال القاضي، أمس، إن إجمالي عدد القتلى الذين تضمنتهم الأوراق الجنائية للقضية 239 في 11 محافظة، من بينهم 36 قتلوا في الميادين العامة والبقية قتلوا أمام أقسام شرطة أو ممتلكات عامة.

وبعد اعلان القاضي الحكم عمّت اجواء الفرح قاعة المحكمة، وقبّل نجلا مبارك المتهمان ايضاً بالفساد والدهما، الذي اكتفى بالابتسام. وأسقطت التهم بحق علاء وجمال مبارك، بسبب انقضاء المدة القانونية. وكان جزء من اتهامات الفساد الموجهة إلى مبارك تتعلق بقضية بيع مصر اسرائيل للغاز الطبيعي بأسعار أقل من السوق.

وفي اطار قضية التآمر لقتل متظاهرين برّأت المحكمة ايضاً سبعة مسؤولين أمنيين كباراً، بينهم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي.

ونقلت البوابة الإلكترونية لصحيفة «الأهرام» الحكومية عن فريد الديب محامي مبارك قوله «إن موكله سيصبح حراً طليقاً، لأنه أمضى عقوبة السجن في قضية قصور الرئاسة خلال مدة الحبس الاحتياطي التي تجاوزت مدة الحكم».

وحضر مبارك جلسة النطق بالحكم، وكان يجلس على مقعد طبي متحرك وهو يرتدي نظارة شمسية وملابس السجن الزرقاء، ونفى في جلسة سابقة إصدار أي أوامر بقتل المتظاهرين، وقال إنه مرتاح الضمير.

ويرتدي مبارك ملابس السجن بعدما عاقبته محكمة جنايات في مايو الماضي بالسجن المشدّد ثلاث سنوات، بعد إدانته بالاستيلاء على أموال عامة خلال حكمه الذي امتد ثلاثة عقود.

ونقل مبارك بمروحية من المستشفى العسكري في القاهرة، حيث يمضي عقوبة بالسجن إلى المحكمة التي تعقد جلستها في أكاديمية الشرطة، كما ذكرت وكالة انباء الشرق الأوسط المصرية. وأوضحت الوكالة انه تم حشد 5000 شرطي لضمان أمن المحاكمة.

وقد حكم على مبارك بالسجن مدى الحياة في يونيو 2012 في هذه القضية، لكن جرى نقض الحكم في يناير 2013، لتعاد محاكمته امام قاض جديد.

وحكم على نجليه جمال وعلاء بالسجن المشدد أربع سنوات في القضية نفسها المتعلقة بالاستيلاء على جانب من أموال خصصت من المال العام للقصور الرئاسية، ويحتجز مبارك في مستشفى عسكري بالقاهرة، نظراً لحالته الصحية.

وخارج المحكمة كان يتجمع نحو 200 شخص من أنصاره ويحملون صوره ويرقصون على إيقاع أغان وطنية تنطلق من مكبرات صوت، وفور الحكم رددوا هتافات من بينها «عاش القضاء المصري»، و«تحيا مصر». وقال أحدهم ويدعى محمد فاضل، «مبارك هو أشرف من حكم مصر، وكنا واثقين من براءته».

وعلى الجانب المقابل، انتابت مشاعر الغضب نحو 50 من أهالي القتلى الذين حضروا المحاكمة أمس، وفصلت قوات الأمن بين الجانبين لمنع وقوع مشاحنات.

وستصدر المحكمة نفسها الحكم ايضاً في ملف آخر لقضية فساد تتعلق بالرئيس السابق ونجليه علاء وجمال مبارك.

وبدأت محاكمة مبارك في أغسطس 2011، وحظيت في البداية بمتابعة كثيفة من المصريين، حيث كانت المشاعر الثورية المناهضة لمبارك في أوج قوتها، ثم اجرت مصر في يونيو 2012 اول انتخابات رئاسية ديمقراطية انتخب فيها رئيس مدني وإسلامي للبلاد هو محمد مرسي، لكن تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في عهد مرسي والفترة التي تلتها جعلت كثيرين يشعرون بالحنين لعهد مبارك، الذي يرون انه تميز بـ«استقرار اقتصادي وظروف معيشية افضل» مقارنة بالوضع الجاري.

كما لا يحظى الحكم نفسه باهتمام المصريين في ظل تركيز الإعلام بشكل اكبر على مواجهة الحكومة للهجمات المسلحة المستمرة ضد قوات الأمن في سيناء ومختلف مدن البلاد، وأدى استمرار تدهور الاقتصاد وانحسار السياحة إلى قراءة جديدة مختلفة من كثير من المصريين لصالح عهد مبارك.

وخلال الجلسة السابقة للمحكمة، دافع مبارك عن فترة حكمه، نافياً التهم الموجهة ضده في «خطاب عاطفي» مؤثر كان الأطول الذي يلقيه منذ عزله في فبراير 2011.

وخاطب مبارك القاضي والملايين خلف الشاشات، قائلاً ان «حسني مبارك الذي يمثل امامكم لم يكن ليأمر أبداً بقتل المتظاهرين وإراقة دماء المصريين»، وهو ما كرّره مرة اخرى. وأضاف «لم أكن لآمر أبداً بقتل مصري واحد لأي ظروف أو أسباب». وفي قضية قتل متظاهرين، دافع معظم الشهود من مسؤولين في الشرطة والجيش عن مبارك.

من ناحية أخرى، وفي أول رد فعل له على الحكم ببراءته بعد حكم المحكمة بانقضاء الدعوة الجنائية ضده، قال رجل الأعمال حسين سالم في مداخلة له من إسبانيا مع قناة «سي بي سي» المصرية «تحيا مصر»، وعندما حاولت القناة سؤاله حول وجود مفاوضات مع الدولة لتسوية أوضاعه والعودة إلى الوطن اكتفى أيضاً بترديد «تحيا مصر» أكثر من مرة. وحكم أمس قابل للطعن أيضاً أمام محكمة النقض التي ستقرر إما تأييده ليصبح حكماً نهائياً أو إعادة المحاكمة مرة ثانية، على أن تنظرها بنفسها وتصدر حكماً نهائياً بشأنها. وقال بيان صادر عن مكتب النائب العام، إنه كلف «المكتب الفني بإعداد دراسة قانونية متكاملة لأسباب الأحكام، للطعن فيهما بالنقض».

الأكثر مشاركة