النموذج الإماراتي في واقعنا المعاصر

في عالمٍ تتسارع فيه النزعات المادية، ويُختزل الإنسان في قيمته الاقتصادية، وتُباع الكرامة الإنسانية تحت ضغط المصالح، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها نموذجاً يسعى إلى تحقيق التوازن بين متطلبات العصر الحديث وثوابت الهوية الحضارية.

ويأتي في مقدمة هذه الثوابت: حفظ التراث، وصيانة الأسرة، وترسيخ مكانة المرأة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونشر العلم، وحماية المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية.

لقد أثبتت التجارب التاريخية والاجتماعية أن الأسرة هي النواة الأولى لاستقرار المجتمعات، وأن أي خلل في بنيتها ينعكس مباشرة على أمن الدولة وتماسكها.

وفي هذا السياق، تحرص الدولة على حفظ مكانة المرأة بوصفها شريكاً أصيلاً في بناء المجتمع، لا من خلال شعارات الاستغلال أو التسليع، بل عبر الاعتراف بدورها المحوري في التربية والتنشئة وصناعة الأجيال، إلى جانب حفظ حقها في المشاركة المجتمعية وتحمل المسؤوليات بما يحقق تماسك الأسرة واستقرارها.

وفي المقابل، لا تُفهم قوامة الرجل بوصفها امتيازاً تسلطياً أو أداة للهيمنة، بل هي تكليف أخلاقي ومسؤولية اجتماعية غايتها حفظ كيان الأسرة وصون توازنها.

وقد قرر العلماء أن القوامة تقوم على العدل والإنفاق وحسن التدبير، لا على الاستبداد، وهي إطار تنظيمي مرن تتغير تطبيقاته بتغير الأعراف المشروعة والظروف الواقعية، بما يحقق مقصد السكن والمودة والاستقرار الأسري.

ومن جهة أخرى، يُعد نشر العلم ومحاربة الجهل حجر الأساس في مواجهة الفساد والانحراف الفكري، إذ إن العلم هو السبيل إلى إصلاح الفرد والمجتمع. ويؤكد ابن خلدون أن فساد العمران يبدأ حين يُهمَل التعليم وتُهدم القيم، ما يجعل الاستثمار في المعرفة ضرورة استراتيجية لا خياراً ثانوياً.

وفي زمنٍ أُسيء فيه توظيف الدين، برزت الحاجة إلى فهم مقاصد الشريعة الإسلامية، وقد قرر الإمام الشاطبي أن مقاصدها الكبرى تتمثل في حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، مؤكداً أن أي ممارسة تُفضي إلى هدم هذه الضروريات هي انحراف عن روح الشريعة، وإن رفعت شعاراتها.

وانطلاقاً من هذا الفهم، واجهت الدولة مظاهر التطرف والإرهاب بسياسات متوازنة تجمع بين الحزم والحكمة، حمايةً للإنسان، وصوناً للأسرة، وحفاظاً على الوطن. وخلاصة القول، إن حفظ القيم والإنسان ليس موقفاً عاطفياً، بل خيار حضاري واعٍ يؤسس لمستقبل أكثر استقراراً وإنسانية.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيه.

الأكثر مشاركة