بين الفرحة والفوضى

تُعد التجمعات والمناسبات الاجتماعية جزءاً مهماً وأساسياً في حياة البشر، فهي المساحة التي يتلاقى فيها الناس للتواصل وتبادل الذكريات والأحاديث والاستمتاع بجمال اللحظة.

وجميعنا يبحث عن الفرحة والوناسة للتقليل من ضغوط الحياة والتعبير عن الابتهاج والسعادة، إلا أن هذه الأجواء قد تتحول بقصد أو بغير قصد إلى فوضى عارمة تُفقِد المناسبة جمالها وروحها وهيبتها.

وبين الفرحة والفوضى خيط رفيع ودقيق يعتمد على الوعي وحسن التنظيم واحترام الخصوصيات وعدم التعدي على الآخرين بحجة الفرحة. ولنتفق جميعاً على أن الوناسة طاقة إيجابية تضبطها نية الشخص في الاستمتاع بالمناسبة وفقاً لحدود الحرية المسموح بها، وعليه فإن الانسجام الاجتماعي يتحقق عندما يشعر الجميع بالراحة والمتعة والهدوء، فإذا ساد الاحترام والانضباط فسيشعر الجميع بالأمان والراحة، ويصبح المكان ممتعاً للجميع، مهما كان مستوى الحماس أو ارتفاع الأصوات، فالفرحة لا تعني التعدي والخروج عن النص بل تعني أن يغادر الجميع وهم أكثر سعادة مما جاؤوا. وعلى الجانب الآخر، تظهر الفوضى والتعرض للآخرين والتعدي على الممتلكات بحجة الوناسة والفرحة، وهنا يغيب النظام وتسود الفوضى وتنكشف الأخلاق ويتجاوز الموقف حدود السيطرة، فارتفاع الأصوات بلا هدف أو الاستعراض الغريب يحول الأجواء إلى مساحة مشحونة بالتوتر وعدم الراحة. إذن هناك حد فاصل بين مفهوم الفرحة والفوضى، سببه عقول البشر ونياتهم في طريقة إبراز فرحتهم، بحيث لا تؤدي إلى سلوكيات غريبة لم يعهدها مجتمعنا المحلي.

ويبقى السؤال الأهم هو مَن المسؤول عن خلق حالة الفوضى التي نشهدها بين الفترة والأخرى في بعض مناسباتنا الاجتماعية والوطنية تحت مظلة الوناسة والفرحة؟ وما نخشاه هو تحول هذه التصرفات إلى سلوك أخلاقي مستمر يظن البعض بأنه سلوكيات مشروعة تحت مصطلح الفرحة.

وخلاصة القول إن الفرحة تظل مطلباً جميلاً ومطلوباً في مختلف مناسباتنا، ولكنها لن تتحقق إلا عندما يحافظ الجميع على الحد الفاصل بين مفهوم الفرحة والفوضى، ونحترم الآداب العامة وأخلاقيات المجتمع وعدم التعدي على حرية الآخرين وعلى الممتلكات العامة حتى لا ينقلب المكان إلى ساحة فوضى وصراع، وبين الصراخ والفرحة وسمو الأخلاق وسوء الأخلاق يقرر الحاضرون ما إذا كانت مناسبتهم مساحة للسعادة أم مجرد ضجيج عابر يؤذي الجميع.

*أكاديمي وباحث

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

الأكثر مشاركة