الغسيل (3)

تدفع ضغوط المشرعين والسوق، مصحوبة بمطالبات أصحاب المصلحة والمستثمرين ذوي التوجه الأخلاقي والمستدام باتجاه التزام أكبر بالاستدامة. ويشير مصطلح «غسيل الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة» إلى تبنّي ممارسات تُصوّر الشركات على أنها أكثر استدامة مما هي عليه في الواقع. هذا الاتجاه المنافي للواقع يخالف القوانين والتشريعات، بما فيها ما يتعلق بحماية المستهلك، كون المستهلك يتعرض للتضليل المتعمد. والـ«ESG» هي العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة التي يقيسها المستثمرون عند تحليل جهود الاستدامة التي تبذلها الشركات من منظور شامل، ومازالت المواصفات والمعايير العربية ناشئة، على الرغم من أن أصول المفاهيم تعود إلى ممارسة إسلامية عربية تطورت عبر التاريخ من استصلاح للصحارى، وتشغيل للأيدي العاملة، وبناء القدرات والمعارف والتعليم، وغيرها.

ولعل الغسيل الاجتماعي من أكثر أنواع الغسيل ضرراً للمجتمعات، وله بصمة مؤثرة حين تحاول الشركات إخفاء قضية اجتماعية أساسية في محاولة لحماية السمعة والأداء المالي، عبر تصوير نفسها في ضوء إيجابي من خلال معلومات مضللة، ولتجنّب الغسيل الاجتماعي، ينبغي للشركات إعطاء الأولوية للموثوقية والنزاهة والالتزام الحقيقي بالقضايا الاجتماعية، لبناء الثقة وجذب العملاء وتخفيف المخاطر.

والمسؤولية المجتمعية والمبالغة في إسهامات بعض الجهات أو تقييم عوائد إسهاماتها مثال آخر، حيث إن ضرر المبالغة أكبر من نفعها على المجتمع، كون هذا السلوك قد يدفع بعض المستثمرين الأخلاقيين أو الشركات الجادة إلى الامتناع عن الاستثمار في الأنشطة ذات الصلة، لظنهم أنها كافية أو بصدد تحقيق الاكتفاء.

هذا الضرر المجتمعي الاقتصادي له أثر خطر يتطلب مواجهة صارمة، ولعل من أسوأ أمثلته ما نسميه تحايل وتلاعب بعض الجهات بنسب التوطين أو قيامها بالتوطين الصوري، أو حتى زرع وتشجيع ممارسات البطالة المقنعة، لتحسين صورة نمطية هي أن التوطين لن يكون مساراً لمستقبل مستدام، عبر تعطيل متعمد لنقل المعرفة، وبناء القدرات والمهارات اللازمة. كيف يمكنك تطوير ممارسات الحوكمة الفعالة لمواجهة هذه السلوكيات الخطرة ومنعها، للحد من آثارها، وحماية المجتمع والاقتصاد من نتائجها؟

هذا ما سنتطرق له، وللحديث بقية..

*مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة