المياه جوهر الحياة (2)

أصبح الاعتماد البشري على استغلال المياه في الأنشطة اليومية يشكل خطراً على استدامة الحياة بشكلها الطبيعي واستمرارها لأجيال قادمة، حيث بدأ بعض الدول بمنع الأنشطة الزراعية التجارية واستخدام المياه لأغراض الزراعة، كونها تشكل تهديداً بسبب استهلاك كميات كبيرة تؤثر في استدامة الموارد المائية للاستخدام البشري الطبيعي.

ونشدد هنا على كلمة «صرف»، التي تقترن عادة بالنقود، والسلع الثمينة، والتحويلات المالية، حيث بدأ العديد من الدول في اعتبار الأمن المائي أمناً استراتيجياً سيادياً، وأن أي تهديد أو خطر يوجه ضده، بمثابة تهديد وجودي على كيان الدول. ولعل ما قيل عن مساعي محمد علي باشا حول أهمية منابع النيل الوجودية في أمن ومستقبل مصر، مثال، ودلالة على الأهمية العسكرية والسياسية والاقتصادية للمياه، وهو ما برر تعدد حملات استكشاف منابع النيل.

إن توجه العديد من الشركات التقنية والصناعية، وحتى الزراعية، اليوم للاستغلال الجائر للمياه، أمر لا ينافي الأخلاق والضوابط النابعة من المسؤولية المجتمعية فحسب، بل يجب أن تصاحبه مساءلة قانونية لتعزيز الاقتصاد الدائري للمياه، فهي منبع الحياة وجوهرها. ولعل ذلك يتطلب تشديد التشريعات المتعلقة بفصل المياه الرمادية ومياه الصرف الصحي من المنبع، ومعالجة المياه الرمادية لأغراض الري المباشر بالمناطق السكنية والزراعية المأهولة، وضوابط أخرى مماثلة لمعالجة مياه الصرف الصحي بمحطات متتالية لا تقل عن مرحلتين إلى ثلاث مراحل. هذه الضوابط الواجبة يجب أن تفعّل على الأنشطة البشرية التجارية والاستثمارية، بما فيها السكنية، وكذلك الصناعية. ودون فرض ضوابط وتشريعات منظمة، سنجد أن الموارد المائية تتناقص بشكل خطير، مشكّلة تهديداً وجودياً.

إن صدور المرسوم بقانون اتحادي رقم (11) لسنة 2024 بشأن الحد من تأثيرات التغير المناخي، نموذج مثالي لدعم القيادة، ممثلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي وقّع المرسوم في 28 أغسطس 2024، موجهاً بالبدء بإنفاذه اعتباراً من نهاية مايو 2025، بهدف إدارة الانبعاثات، وتعزيز مرونة النظام البيئي، وتشجيع الابتكار والبحث. وينص المرسوم على خفض الانبعاثات من خلال كفاءة الطاقة، والطاقة النظيفة، وتقنيات احتجاز الكربون، مع تحديد أهداف سنوية لخفض الانبعاثات، تتماشى مع الأولويات الاقتصادية، فارضاً على المؤسسات قياس الانبعاثات والإبلاغ عنها، ووضع خطط تكيف خاصة بكل قطاع، وتبني تقنيات جديدة بحوافز من الوزارة. وينطبق القانون على الجهات التي تُصدر غازات دفيئة، بما في ذلك تلك الموجودة في المناطق الحرة، مع فرض عقوبات على عدم الامتثال تراوح بين 50 ألف درهم ومليوني درهم. هل سنرى تشريعات وضوابط ونماذج ملزمة لاستدامة إدارة الموارد المائية الشحيحة؟.. للحديث بقية.

*مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

الأكثر مشاركة