الوعي القانوني في المجتمع.. ضرورة أم رفاهية

في ظل التطوّر السريع الذي يشهده العالم على مختلف الأصعدة، لم يعد الوعي القانوني مجرد ترف فكري أو اختصاص حصري لأهل القانون، بل أصبح ضرورة حياتية لكل فرد في المجتمع. فالفرد الذي يجهل حقوقه وواجباته يكون عرضة للاستغلال أو الوقوع في مخالفات دون قصد، وقد يجد نفسه في أروقة المحاكم بسبب تصرف كان يعتقد أنه طبيعي مغلَف بحسن نيته. وفي كل يوم نسمع قصة جديدة، كشاب يُسجن لأنه وقّع على ورقة دون أن يعرف محتواها الصحيح، أو ضحية نصب إلكتروني، أو اتُّهم بالإساءة عبر الإنترنت، فقط لأنه لم يدرك أن بعض الكلمات أو الصور التي ينشرها قد تُعد جريمة يُعاقب عليها القانون. هذه ليست مشاهد من روايات درامية، بل هي يوميات نعيشها في مجتمعنا نتيجة لضعف الوعي القانوني بين الناس. فالوعي القانوني لا يعني بالضرورة حفظ النصوص القانونية أو دراسة القانون بشكل أكاديمي، بل يكفي أن يكون لدى الفرد إلمام عام بالقوانين الأساسية والقرارات التي تحكم حياته اليومية والتي تصدر من الجهات المعنية؛ كالقرارات المتعلقة بالعمل، والأحوال الشخصية، وقوانين السير والمرور، والقروض البنكية والشراء الإلكتروني والقوانين المتعلقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من القوانين التي لها علاقة مباشرة مع حياتنا اليومية. القانون هو نبض الحياة اليومي وكل تفاصيل حياتنا تمر عبر بوابة القانون، ومع ذلك لايزال الكثيرون لا يملكون أبسط معرفة بحقوقهم أو واجباتهم. ومن جهة أخرى، يسهم الوعي القانوني في ترسيخ ثقافة المسؤولية واحترام القانون والنظام، ويقلل من حالات النزاع وارتفاع أعداد القضايا، إذ إن الشخص الواعي قانونياً غالباً ما يعرف حقوقه ويسعى لحل الخلافات بالطرق الودية أو القانونية الصحيحة دون التسرّع في اتخاذ مواقف قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. وتقع مسؤولية تعزيز الوعي القانوني على الجميع من أفراد ومؤسسات الدولة، والجهات التعليمية، إلى وسائل الإعلام، والمجتمع المدني وغيرهم. كما أن المبادرات الحكومية لنشر الثقافة القانونية، مثل حملات التوعية أو تقديم استشارات قانونية مجانية تُعد خطوات مهمة في هذا الاتجاه. وفي النهاية، لا يمكن بناء مجتمع قوي وعادل دون أن يكون أفراده مدركين لحقوقهم وملتزمين بواجباتهم ولديهم الثقافة القانونية اللازمة. فالوعي القانوني هو أول خطوة نحو تحقيق العدالة وحماية الأفراد من الوقوع في الخطأ.

*أكاديمي وباحث

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة