التحرش الإلكتروني.. الجريمة التي لا تُرى

التحرش الإلكتروني (Cyberstalking) هو أي سلوك مسيء أو مُهدّد يتم عبر الإنترنت، ويهدف إلى إيذاء شخص ما أو إخافته أو إحراجه. وفي زمن أصبح فيه العالم قرية صغيرة، لم يعد التحرش مقتصراً على الشوارع أو الأماكن العامة، بل تسلل إلى أجهزتنا الشخصية بصمت وجرأة ووقاحة. «التحرش الإلكتروني» الجريمة التي لا تُرى، ولا يعانيها إلا ضحيتها، وتترك آثاراً نفسية عميقة يصعب محوها.

يأخذ التحرش الإلكتروني أشكالًا متعددة: رسائل غير مرغوب فيها، أو أفكاراً هدامة أو تحريضاً على العنف أو تعليقات مسيئة، أو إرسال صور غير لائقة أو ابتزازاً أو قرصنة، أو ملاحقة إلكترونية مزمنة عبر البريد، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

وغالباً ما تكون الضحية فتاة أو فتى في سن المراهقة، أو حتى قبل سن المراهقة، وقد يكون الضحية رجلاً أو امرأة ناضجة، تعاني في صمت خشية الفضيحة أو اللوم المجتمعي. والمشكلة الحقيقية تكمن في أن هذا النوع من الجرائم يُستهان به في كثير من الأحيان، ويُنظر إليه على أنه «مجرد كلام»، على الرغم من أن آثاره النفسية قد توازي، بل تفوق التحرش الجسدي أحياناً. الضحية قد تصاب بالقلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية، دون أن تجد من يُنصفها أو يُصغي لمعاناتها.

لكن الجانب المضيء أن هناك وعياً متزايداً من الناس بقوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية، حيث شرعت الكثير من الدول في محاربتها، ومن ضمنها دولة الإمارات التي أصدرت قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، ووضعت فيه العقوبات والغرامات اللازمة لتجريم هذا النوع من السلوك، وتمنح الضحايا حق التبليغ والملاحقة القانونية في حال تم الاعتداء عليهم بإحدى الوسائل الإلكترونية المتنوعة.

كما أن منصات التواصل الاجتماعي بدأت تتعاون في الإبلاغ عن الحسابات المسيئة وحظرها.

والتصدي للتحرش الإلكتروني لا يقتصر على القوانين وحدها، بل يتطلب أيضاً تربية رقمية واعية، تزرع في الأفراد احترام خصوصية الآخرين وعدم التعرض لها، وتُشجع الضحايا على كسر حاجز الصمت وإبلاغ الجهات المعنية دون تردد، فالصمت لا يحمي، بل يشجع الجاني على التمادي وإذلال الضحية.

في النهاية يبقى «التحرش الإلكتروني» جريمة حقيقية، وإن لم تكن مرئية. ومثلما نحارب الجرائم الواقعية، علينا أن نواجه هذا النوع الحديث من التعدي بكل حزم ووعي.

*أكاديمي وباحث

@ Dr. Khaledali123. X.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

الأكثر مشاركة