صديقان في المحكمة

بعد صداقة دامت سنوات، وامتدت إلى نطاق الأسرة، وقف كل منهما في مواجهة الآخر أمام المحكمة بسبب خلافات مالية.

الأول أصر على أنه أقرض الثاني مالاً ولم يرد إليه سوى جزء منه، ولايزال يترصد في ذمته بقية المبلغ.

فيما ادعى الثاني أن ما سدده إلى صديقه في صورة حوالة بنكية لم يكن رداً لدين بل سلفة أودعها في حساب الأول.

المقربون من الطرفين حاولوا تسوية الخلاف ودياً، وإقناعهما بوضع اعتبارات للصداقة والعشرة، لكن دون جدوى.

وقدم كل منهما ما لديه من مستندات، والمفارقة أنهما استندا إلى الدليل ذاته وهو صورة من التحويل المصرفي، ومحادثات متبادلة بينهما عبر تطبيق «واتس أب».

الخبير المالي الذي انتدبته المحكمة انتهى إلى أن العلاقة بين طرفي الدعوى عبارة عن صداقة شخصية، ولا توجد عقود أو مكاتبات رسمية تثبت حجة أي منهما، ولا ترقى المحادثات المتبادلة بينهما إلى إثبات شيء.

وفي نهاية الأمر لجأت المحكمة إلى توجيه اليمين الحاسمة إلى أحد الصديقين بناء على طلب الآخر، فأقسم بما وجه إليه، وحكم لمصلحته.

هذه الدعوى متكررة، ربما تكون تفاصيلها مختلفة لكن أساسها واحد، وهو إقراض أحد الطرفين للآخر مبلغاً من المال دون الحصول على سند يثبت ذلك، وحين يتعثر المدين عن السداد ينكر الفضل والمال.

من الضروري الوعي بأن الرسائل التي تجرى بين طرفي العلاقة عبر أي من التطبيقات الحديثة مثل «واتس أب» وغيره يمكن أن تكون دليلاً تستند إليه المحكمة بشرط أن يثبت محتواها الدين، إذ تنص المادة 55 من القانون رقم 35 لسنة 2023 في شأن الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية على أنه «للإثبات الإلكتروني حكم الإثبات بالكتابة»، ومن ثم لا ضرر من الحرص على توثيق الدين بهذه الصورة السهلة.

خلاصة القول: يجب أن يدرك الجميع أن الصداقة أو الأخوة أو الزواج أو غيرها من العلاقات الأسرية أو الإنسانية لا يفترض أن تحول دون إثبات الحق الذي أكد عليه المولى عز وجل في الآية الكريمة: «إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»، فهذا كفيل بحفظ الود وحماية الحقوق.

*محكم ومستشار قانوني

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر