سيف بن زايد.. حين يتحدث الكبار

مسك ختام القمة العالمية للحكومات كان أمس بالحديث المهم والاستراتيجي للفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية. إنه ببساطة حديث كبار، ليس فقط لكونه يكشف حقائق وأرقاماً مهمة للمرة الأولى، بل لأنه أيضاً حديثٌ جريء متقدم ويتسم بالواقعية الشديدة، وما يزيده أهمية أنه يعكس جانباً من رؤية القيادة للكثير من القضايا الداخلية والخارجية، وما تؤمن به من ثوابت وأخلاقيات في العمل السياسي والاجتماعي والأخلاقي والثقافي.

كلمة سموه حملت رسائل مهمة ومفعمة بالتفاؤل والإيجابية في آنٍ، لعل أولى تلك الرسائل أن الأسرة الإماراتية الكبيرة، التي عنى بها سموه الأسرة الإماراتية الجامعة بكل مكوناتها وأركانها؛ تمثل التضامن والقوة، وهي الأسرة المتحدة التي تمثل بيئة نموذجية تنطلق بها إلى العالمية. هذه الأسرة كان لها ثمار واضحة، عدّد سموه الكثير منها، فهذه الأسرة تمكنت من احتضان 6000 مناسبة دولية في 2022، وسجلت دبي رقم 1 عالمياً في العائد السياحي بإجمالي 29 مليار دولار. وبفضل هذه الأسرة شكلت الإمارات الخيار الأول للشباب العربي والخيار الأول للمتميزين والأغنياء على مستوى العالم، حيث يعيش فيها أكثر من 196 ألف مليونير و14 مليارديراً.

ثانية تلك الرسائل أن ما تحقق من إنجازات لم يكن صدفة، بل ثمرة خطيط وتنظيم وتفكير بعيد المدى، واعتناء بالمدخلات لتكون المخرجات متقدمة وسلمية، فأبناء الإمارات هم الآن الخيار الناجح للعالم، وبات كثير من المؤسسات الدولية يثق في قدراتهم وتوليهم مسؤوليتها.

الرسالة الثالثة هي الأكثر عمقاً ربما، وهي التي تعنى بالقوانين والتشريعات التي تحمي الخطط وتضمن سلامة مخرجاتها، فجاء تأكيد سموه على وجود قوانين رصينة تحمي الأسرة الإماراتية بكل تنوعاتها وجذورها، وتطرق إلى واحدة من أكثر القضايا أهمية وحساسية، وهي تلك التي تتعلق بالاستقرار السياسي الضامن لكل تلك الإنجازات الحاضرة والمستقبلية، وهي قضية انتقال السلطة، إذ جاء تأكيد سموه على أن سلاسة انتقال السلطة تأكيد للاستمرارية والإيمان بوحدة المصير، وفي ذلك إشارات واضحة وعميقة الدلالة لا تخفى على أحد؛ فهذه الدولة تتميز بقيادتها الاستثنائية، ووضوح ثوابتها التي انتقلت من القيادة إلى الحكومة، ومنها إلى البيت والمواطن.

أما الرسالة الرابعة فقد عززت من شأن القدوة في العمل الحكومي، ودور القائد في إلهام الموظفين والعاملين وكل من يدور في فلك الأسرة المتحدة، والقائد الناجح يبدأ بنفسه ويسألها ماذا أنجز. وقيادة الإمارات لا تكل ولا تمل من متابعة كل صغيرة وكبيرة، للتأكد من أن جميع فرق العمل تؤدي واجباتها على أكمل وجه، وهنا أشار سمو الشيخ سيف بن زايد إلى أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، يقيسان الساعة بالإنجاز لا بالثواني، كيف لا وهما طياران، لا مجال عندهما للصدفة، ومعاييرهما واضحة وكل شيء بحساب.

والرسالة الخامسة في حديث سموه هي رسالة الثقة بالنفس، والتصرف بناء عليها في كل الظروف والأوقات، فالدول الفاعلة لاشك أنها تتعرض للتشكيك ومحاولة بث الوهن في النفوس، لكنها متى امتلكت الثقة بالنفس واعتمدت على عناصر قوتها وأخلاقياتها في التخطيط والتنظيم، يكون الفوز من نصيبها، وفي هذا السياق كشف سموه أن الدولة واجهت قبل تنظيم معرض إكسبو دبي 2020 تحديات عدة، وأن البعض شكّك في قدرة الإمارات على استضافة هذا الحدث الضخم، لكنها تجاوزت كل التحديات وأثبتت قدرتها على تنظيم دورة هي الأفضل على الإطلاق.

ويتجدد الانتقاد حالياً مع استضافة الدولة المزمعة لمؤتمر كوب 28، وكان سموه واضحاً حين قال: «بعض السطحيين والملوثين انتقدوا سلطان الجابر رئيساً معيناً لمؤتمر كوب 28 باعتباره رئيساً لشركة نفطية، لكنهم لا يعرفون أن لديه إرثاً في الحفاظ على البيئة، ولهذا اختير لرئاسة الشركة». قبل أن يعلن سموه أن «هناك من يدعي رعاية البيئة لكننا نعرف ماذا يفعلون في إفريقيا وآسيا». ويختم سموه بجملة ستبقى خالدة في الأذهان: «الأسرة الإماراتية تؤمن بأن التلوث الفكري والأخلاقي الأولى بمكافحته، وأن تلوث العقول أكثر فتكاً من غيره، ويهدم المجتمعات ويضرب ثوابتها».

ليس غريباً على رجل نشأ في بيت الحكمة والزعامة، بيت المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أن يتحدث بكل هذا العمق والهدوء والاتزان والحصافة والجرأة معاً.

@MunaBusamra

Muna.busamra@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة