«كوب 28».. (5)

لايزال الحديث عن فرص استضافة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2023 (UNFCCC COP 28).

ولو ربطنا الجدل الذي ظهر حول مخصصات مفوضية اللاجئين، من حملة تبرعات المؤثر المعروف بـ«أبو فلة»، لتبين لنا مبررات لمخاوف مستقبلية لدى المجتمعات والدول التي ستسهم في كيفية إدارة المبلغ المخصص حسب الاتفاق، بوضع حد أدنى بقيمة 100 مليار دولار كمساعدات سنوية للدول النامية، ليراجع هذا التخصيص المناخي البيئي في 2025 (والذي لا توجد حتى اليوم آلية واضحة لكيفية رصده ومتابعته).

هل نطمح إلى تطوير بوابة أو منصة رقمية تتضمن بيانات مفتوحة لحوكمة ونشر إسهامات الدول الفعلية، ومدى التزامها الاتفاقية؟

إن الفشل في ذلك سيكون دماراً بيئياً وبشرياً مقروناً بتقلص الناتج الاقتصادي العالمي بحلول عام 2050، بنسب تراوح بين 11 و14%، مقارنة بمستويات النمو من دون تغير المناخ (وفقاً لتقرير شركة سويس ري لإعادة التأمين Swiss Re)، والخسائر تقدر بتريليون دولار.

والحل؟ هل سنشهد طفرة في سندات تمويل المشروعات البيئية المستدامة؟ وهل سيتحول الاستثمار في البيئة إلى ركن من أركان الاقتصاد العالمي؟ فالعائدات من الاستثمار لا تقتصر على أن تستمر الحياة وحسب، (وهو الأمر الذي لا يقدر بثمن)، بل توجد له عائدات مالية مجزية، فهل ستصبح «السندات الخضراء»، الفورة الجديدة في الاقتصاد بعد العملات المشفّرة (خصوصاً بعد الخسائر المهولة التي تجاوزت تريليون دولار أخيراً)، سوق الكربون، وتطوير ممارسات ومعايير تدوير البلاستيك والاستخدام الآمن والمتعدد؟

وهل سنشهد إطلاق مبادرات واشتراطات عمرانية لتشجيع تبني نماذج مستدامة لإدارة المياه في المنازل، وتشجيع تركيب محطات معالجة لا مركزية، عبر تصميم شبكات المياه والصرف الصحي، لتفصل بين المياه الرمادية والمياه العادمة السوداء (التي تتطلب معالجة خاصة) من المصدر (مثل مياه أحواض الغسيل، والاستحمام، والمغاسل، والمطابخ، عن المياه العادمة والحمامات)، بما يمكِّن أصحاب المنازل والمباني الاستثمارية والتجارية من الإسهام في تقليل المياه المستخدمة، وتدوير المياه الرمادية لأغراض الري والتشجير، كما يقلل استهلاك البنية التحتية، ويقلل الضغط عليها، والحاجة المستمرة للاستثمار في توسعة أو صيانة خطوط وقنوات الصرف الصحي، ومحطات معالجة المياه بشكل يواكب النمو السكاني والحضري المتنامي، ذلك أن بعض التقديرات تحسب أن المياه الرمادية القابلة لإعادة الاستخدام المنزلي قد تجاوز 90% من مياه الصرف الصحي، وهو ما تجب التوعية به، والتركيز على الوفر المالي، وقدرات التشجير المناسبة كأحد أوجه إعادة التدوير المناسبة؟

وقد نتساءل: هل سنشهد مبادرات خليجية لكيفية التعامل مع مياه الصرف الصحي؟ وكيفية التعامل مع المياه الراجعة من محطات التحلية الضخمة؟ وهل سنشهد مبادرات مشتركة مع دول منابع الأنهار التي تصب في الخليج العربي، وقامت هذه الدول بتقليص كميات المياه التي تصب بشكل أصبح يهدد الحياة الفطرية البحرية في الخليج، خصوصاً إذا احتسبنا ما قامت به بعض ناقلات النفط من تلويث للخليج، عبر تفريغ خزانات التوازن في مياه الخليج (وهي ممارسة كانت شبه تقليدية قديماً من بعض ربابنة الناقلات الأجنبية)، وكذلك آثار التلوث الناجمة عن استهداف بعض ناقلات النفط في حرب الخليج الأولى، والآثار البيئية لحرق آبار النفط في الحرب الثانية؟

هل سنرى خدمات مبتكرة، ونقاطاً «زرقاء» أو «خضراء» للمبادرات المجتمعية، تعزز إسهامات المواطنة والمسؤولية البيئية؟

إن «COP 28» فرصة إماراتية لأن تكون رسالتنا البيئية العالمية أوضح وأكبر أثراً، وأشمل تأثيراً، ولتكون رسالة الآباء المؤسسين، وجهود القيادة الممكنين، وممارسات أفراد المجتمع بشرائحه كافة منارة إشعاع حضاري عالمية، فالشيخ زايد، طيّب الله ثراه، لم يكن الأب المؤسس فقط، بل كان رجل البيئة الأول، وبطل الأرض، وقاهر الصحراء، سابقاً زمانه بمبادرات بيئية بعقود، واستمرار قياداتنا على النهج نفسه، نجاح واستثمار مستدام لمستقبل البشرية، فـ«جائزة زايد الدولية للبيئة»، التي أسسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إحدى مبادرات سموه الملموسة الأثر دولياً، وتعكس المكانة التي تحوزها البيئة في وطننا، كما أن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مستلهمة من ممارسات ومبادرات بطل الأرض الوالد المؤسس. ولعل قراره في عام 2008، بإنشاء صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية، ورئاسته مجلس إدارة الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى، نموذجان تطبيقيان للقيادة المؤثرة والمسؤولة.

ولاتزال للحديث بقية.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير ومقيَم تميَز مؤسسي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة