5 دقائق

وزيرة الوحدة

الدكتور علاء جراد

تسعة ملايين شخص في بريطانيا يعيشون بمفردهم، أي ما يعادل 14% من السكان، وتتعدد الأسباب مثل هجر الأب أو وفاة شريك الحياة، وبُعد الأبناء، ويشكل ذلك معضلة اجتماعية تبرز آثارها في حالات الاكتئاب، وكذلك تؤثر سلباً في الإنتاجية والاقتصاد والسلم الاجتماعي، لذلك قامت الحكومة بدراسة الموضوع، وخلصت إلى حزمة من السياسات والإجراءات لعلاج وتخفيف آثار هذه المعضلة، وتم تأسيس منظومة من الحلول تسهم فيها مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات التعليم والقنوات الإعلامية والمؤسسات التعليمية والحكومة والبرلمان، كما تم استحداث منصب وزير الوحدة، وقد تم تخصيص الأسبوع من 15 إلى 21 يونيو أسبوع الوحدة، وذلك لرفع الوعي بتلك القضية، أرسلت وزيرة الوحدة، تراسي كراوش، خطاباً إلى كل شخص يعيش وحيداً، وأكدت أهمية تضافر الجهود والعمل معاً، كما تم تخصيص مبلغ خمسة ملايين جنيه إسترليني لعدد من جمعيات المجتمع المدني، لرفع الوعي والإسهام في مساعدة الأشخاص المعنيين بالمشكلة.

أتصور أن هناك بعض النقاط المضيئة في هذه المبادرة التي يمكن لنا في الوطن العربي التعلم منها، على الرغم من أن موروثنا الديني والثقافي يحثنا على التعاضد والتعاون، ولكن قد تشكل ضغوط الحياة أعباءً إضافية تلهينا عن التفكير في الآخرين، لذلك من المهم أن تكون هناك مبادرات طويلة الأجل للتغلب على هذه المشكلة، وإن كنت لا أحبذ تخصيص يوم أو أسبوع لقضية ما، ثم ننسى الموضوع بعد ذلك، لكن من المهم رفع الوعي من خلال كل القنوات، وأن تتبنى الحكومات ووزارات التضامن والشؤون الاجتماعية هذه المبادرات، بجانب وزارات التعليم والصحة وتنمية المجتمع والثقافة على اختلاف المسميات، خصوصاً أن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في معظم الدول العربية لم تصل بعد إلى مستوى النضج الملائم ولا توجد لديها الآليات المطلوبة لعلاج قضية شائكة كهذه، وبالتالي فهناك حاجة كبيرة إلى أن تقود الحكومات مثل هذه المبادرات، وبالطبع بالتعاون مع الجهات المعنية.

أما على الصعيد الفردي فيمكن لكل منا أن يبدأ بنفسه ويتفقد معارفه وأقاربه وجيرانه، فلعل بعضهم يعاني في صمت من دون أن يدرك سبب المعاناة أصلاً، فالوحدة هي عدو صامت وخطر في الوقت نفسه، وقد يقتلنا بالتدريج، وقد يؤدي إلى حالات اكتئاب حادة، فلنبدأ بأنفسنا ولنتواصل مع من يعانون الوحدة ونمنحهم بعضاً من وقتنا ولنسأل عنهم، فلربما كنا سبباً في إسعادهم، ولربما كانوا هم سبباً في إسعادنا أيضاً، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ولنتذكر حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك صدقة».

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 


الوحدة هي عدو صامت وخطر في الوقت نفسه، وقد يقتلنا بالتدريج، وقد يؤدي إلى حالات اكتئاب حادة.

تويتر