أجيال البيانات

كان أبنائي سيناقشون طبيعة عمل الوالد كأحد الأنشطة في مدرستهم، وفي ذلك الوقت كان سؤالهم لي: ما معنى البيانات؟ ولذا بدأت أبحث عن إجابة تكون سهلة يفهمها زملاؤهم في الصف وليس فقط أبنائي، وتذكّرت نفسي في الصف الأوّل الثانوي بعد إنجازي واجبات شكرني عليها أستاذ الرياضيات حينها، فتوجهت له بسؤال عن الفائدة التي تعود علينا من دراسة كمية العلوم المختلفة ضمن مادة الرياضيات (شو بنسوي فيها؟)، فأجابني باللغة المحلية المصرية: (يبني بتنظّم حياتك). كلمات قليلة معناها عميق من أستاذ أكنّ له كل احترام، ولم أعرف حينها أنني سأحتاجها لوصف دور البيانات لأبنائي وحتى في عملي.

- «معظم الأطفال

يتقنون استخدام

واجهة المستخدم

للتقنيات، لكن ليس

لديهم المعرفة الكافية

بكيفية عمل التقنية».

بالتأكيد قُرب الأبناء منّي وملاحظتهم لي عندما أعمل على الحاسوب المحمول أو أثناء التحضير لمقابلة تلفزيونية أو إذاعية قد تكون أكسبتهم فهماً عاماً لما أقوم به، لكن ليس بالقدر الكافي لفهم وشرح الموضوع لزملائهم.

وأردت الإجابة أن تكون من أشياء ملموسة لهم وما يصادفونه في يومهم العادي، لكن تساءلت هل الجيل الأكثَر استخداماً للتقنية قد يكون يعاني «أميّة تقنية»؟ أو أنه عرّضة لهذا الخطر.

وفي محاولة الإجابة عن سؤالهم شرحت لهم البيانات بأنها كل ما يضعونه من معلومات في أي حديث أو تواصل مع إنسان أو آلة. فلو طلبت منهم لعبة قاموا بتحميلها على الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي (آي باد) اسمهم وتاريخ ميلادهم أو عمرهم أو دولتهم فهذه بيانات، ولو طلب منهم متجر تعبئة نموذج ورقي فهذه بيانات، وعند عمل بريد إلكتروني فإن المعلومات الشخصية بيانات، وحتى الساعة الذكية التي تسجّل عدد خطواتهم ووقت حركتهم ونشاطهم هي بيانات. وطبعاً المثال الأخير كان له تأثير أكبر فيهم لأنني أشاركهم تحدّي للياقة عبر الساعة الذكية، ويفرحون جداً عندما يمشون لمسافة أكثر منّي أو يتمرنون لوقت أطوَل.

أثبتت دراسات عالمية أن معظم الأطفال والبالغين يتقنون استخدام واجهة المستخدم للتقنيات، لكن ليس لديهم المعرفة الكافية بكيفية عمل التقنية وعلاقتها بدورة حياتهم، وهناك جهود عديدة لنشر الثقافة التقنية، غير أن التغلّب على هكذا فجوة يتطلب منهجية واضحة من الجهات القائمة على التعليم من جهة والجهات المعنية لتطبيق التقنية وبناء الحلول للمدن والدول، وأن تكون الجهود منصبّة على إجابة السؤال الأكبر وبلغة أبنائنا الذي سألته أنا وغيري في الماضي: «شو بنسوي فيها؟».

قد يقول البعض إنه ليس من الضروري أن يعرف كل شخص تفاصيل التقنية ولنترك هذا للمختصين، فنحن نقود السيارات منذ زمن، ولكن ليس الجميع يفهم الميكانيكا. قد يكون هذا كلام مقبول في ما مضى، لكن المستقبل الذي نعمل على بنائه منذ الآن فيه مفردات مثل البيانات تتطلّب منّا ومن أبنائنا أن نُحدد معناها بالنسبة لحياتنا، ولن يكون تعريفها واحداً للجميع. وكذلك المعرفة بهذه التقنيات ستمكننا من حماية أنفسنا بتمييز ما يصلح مشاركته على منصات معيّنة دون أن نتعرّض للاختراق أو نُعرض سلامة أبنائنا لخطر ما مثل انتحال الشخصية أو غيرها من المخاطر.

سؤال مهنة الوالد تقليدي وقديم قدم المدارس في حياة البشر، لكن إجابته تختلف من جيل إلى جيل، واليوم يبدو أن الحاجة ملحة إلى جيل يصلح أن نصفه بجيل البيانات.

مساعد مدير عام «دبي الذكية» المدير التنفيذي لمؤسسة بيانات دبي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

الأكثر مشاركة