#رياء_رمضان

عندما كنت في الابتدائية، كنت أنتظر شهر رمضان بفارغ الصبر.. لأشرب «الفيمتو» على مائدة الإفطار، وأثلّج «اللبن أب» للسحور، وأشاهد الكاميرا الخفية، وأجيب عن فوازير رمضان، وأَحْضر تجمّعات «الفريج» مع والدتي، وألعب مع بنات وأبناء الجيران، وأصلّي التراويح في مسجد الحيّ (وأنسى أحياناً في أي ركعةٍ كنت)، وأسهر حتى يؤذّن لصلاة الفجر، وأنافس أخواتي في ختم القرآن.

- كانت أجواء رمضان

روحانيّةً ومعنويّةً

وعفويّةً.. ولم تكن

ماديّةً أبداً.

كنت أمتلك جلابيات «مخوّرة» بسيطة، ولا أُبالي إن كانت جديدة أو مواكبة للموضة (حقيقةً، لا أحد كان يكترث)، وألبسها مع «سروال بو بادلة» لا تُلائمها أبداً (يعني «عنقاش»)، وكانت أصناف الطعام هي ذاتها، خفيفة وبسيطة وعلى الأرجح صحيّة ولم نتذمّر منها قطّ، وكانت برامج التلفزيون معظمها هادفة ومجتمعية وتاريخية وفكاهية دون مبالغة وخدش للحياء.

كانت أجواء رمضان روحانيّةً ومعنويّةً وعفويّةً.. ولم تكن ماديّةً أبداً.. فلا أتذكّر أننا كنّا نتحضّر لرمضان بالتنافس على شراء أغرب الجلابيات وأغلى «الكافتانات»، ولم تكن الاستعدادات للتجمّعات - تسمّى الغبقات مؤخراً - ثقيلةً ومُكلفةً ومُحمّلةً بتوزيع الهدايا الباهظة وتزيين المنزل بالوُرود وتلطيف الجو بعزفِ العود.

لم نكُن نقيم مأدبات السّحور لنلتقط لها صوراً، ويعيد المتابعون نشرها!

ولم نكن نجدّد أطقم التقديم لترصدها عدسات الضيوف!

ولم نتهافت لنحجز طاولاتٍ في خيامِ رمضان بالواسطة!

ولم نشارك في البرامج التطوعية ليدوّنها المدوّنون!

ولم تقصِفنا إعلانات الفاشينستات من كلّ جانب!

ولم نقم #موائد_التبذير بحُجّة جمع التبرّعات!

فأيّ تناقضٍ هذا الذي نعيشه اليوم؟

ليس عيباً أن نستقبل رمضان بجميلٍ نرتديه، وأصنافٍ نتفنّنُ بتحضيرها باعتدال، وإهداء الأحبة بهدايا رمزية، وبالتطوّع وعمل الخير إن كان في نطاق إفادة النفس والآخرين، وإن كان من دون تكلّفٍ وتدوينٍ لمجرّد التباهي والرياء.

كنّا نستمتعُ برمضان لبساطته وبساطتنا، ولتقريبه المسافات والقلوب والأحبّة. فقدنا لذة اللحظة في هذا الشهر لانشغالنا بسرد فعالياتنا به.. فمتى سنتوقّف عن رياء_رمضان ونستمتع بأجوائه بدلاً مِن تسطيرها في مواقع التواصل الاجتماعي؟

HalaBadri@

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة، يرجى النقر على اسمها. 

الأكثر مشاركة